وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ لَا يَنْفِي الِاسْتِحْبَابَ وَلَا يُثْبِتُهُ، فَيُؤْخَذُ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَحَسَّنَهَا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعِ بْنِ عُدَيْسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ وَكِيعُ بْنُ عُدَيْسٍ: فَلَا أَدْعُهُ وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْعَتِيرَةَ تُسْتَحَبُّ، وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ ابْنَ سِيرِينَ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ. وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَمَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى هَذَا وَقَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُمَا وَفَعَلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالْإِذْنِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا، وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ شَيْءٍ كَانَ يُفْعَلُ، وَمَا قَالَ أَحَدٌ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِي فِعْلِهِمَا ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْعُلَمَاءِ تَرْكُهُمَا إِلَّا ابْنَ سِيرِينَ، وَكَذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى النَّسْخِ، وَبِهِ جَزَمَ الْحَازِمِيُّ، وَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ - وَاللَّفْظُ لَهُ - بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْفَرَعَةِ فِي كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةً.
قَوْلُهُ (وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ وَالْعَتِيرَةُ الشَّاةُ تُذْبَحُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِي رَجَبٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا لِأَصْنَامِهِمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَتِيرَةُ نَذْرٌ كَانُوا يَنْذُرُونَهُ، مَنْ بَلَغَ مَالُهُ كَذَا أَنْ يَذْبَحَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ مِنْهَا رَأْسًا فِي رَجَبٍ. وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ أَنَّ الْعَتِيرَةَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنْ بَلَغَ إبلي مِائَةٍ عُتِرَتْ مِنْهَا عَتِيرَةٌ، زَادَ فِي الصِّحَاحِ فِي رَجَبٍ. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُدَ تَقْيِيدَهَا بِالْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
خَاتِمَةٌ:
اشْتَمَلَ كِتَابُ الْعَقِيقَةِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيثًا، الْمُعَلَّقُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ، الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَمَانِيَةٌ وَالْخَالِصُ أَرْبَعَةٌ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتَصَّ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَسَمُرَةَ. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ قَوْلُ سَلْمَانَ فِي الْعَقِيقَةِ، وَتَفْسِيرُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﷽
٧٢ - كِتَاب الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ
قَوْلُه (كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ) كَذَا لِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي أُخْرَى لَهُ وَلِأَبِي الْوَقْتِ بَابٌ وَسَقَطَ لِلنَّسَفِيِّ، وَثَبَتَتْ لَهُ الْبَسْمَلَةُ لَاحِقَةً، وَلِأَبِي الْوَقْتِ سَابِقَةً.
١ - بَاب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ، ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعُقُودُ: الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ. ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ الْخِنْزِيرُ. ﴿يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ يَحْمِلَنَّكُمْ. ﴿شَنَآنُ﴾ عَدَاوَةُ. الْمُنْخَنِقَه: تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. الموقوذة: تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ، يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ. ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ تَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ. ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute