عُمَرَ رَفَعَهُ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَهَذَا التَّرَدُّدُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالْمُتَّقِينَ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْمُؤْمِنِ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: اسْمُ التَّقْوَى يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى دَرَجَاتٍ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الْآيَةَ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَدِ اتَّقَى، أَيْ وَقَى نَفْسَهُ مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَهَذَا مَقَامُ الْعُمُومِ، وَأَمَّا مَقَامُ الْخُصُوصِ فَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ كَمَا قَالَ ﷺ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ انْتَهَى. وَقَدْ رَجَّحَ عِيَاضٌ أَنَّ الْمَنْعَ فِيهِ لِكَوْنِهِ حَرِيرًا، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ، وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ مُبْتَدَأَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ الْمُؤْمِنُونَ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ خَافُوا اللَّهَ - تَعَالَى - وَاتَّقَوْهُ بِإِيمَانِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ لَهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَعَلَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى الْأَخْذِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ غَيْرَ مُتَّقٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا الْمُسْتَخِفُّ فَيَأْنَفُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُوصَفَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّقٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُنَّ عَلَى الرَّاجِحِ، وَدُخُولُهُنَّ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ مَجَازٌ يَمْنَعُ مِنْهُ وُرُودُ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ عَلَى إِبَاحَتِهِ لَهُنَّ، وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ بَعْدَ قَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ بَابًا، وَعَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ لُبْسُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُوصَفُونَ بِالتَّقْوَى. وَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ بِجَوَازِ إِلْبَاسِهِمْ ذَلِكَ فِي نَحْو الْعِيدِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَكْسُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يُمْنَعُ بَعْدَ التَّمْيِيزِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ الضَّيِّقَةِ وَالْمُفَرَّجَةُ لِمَنِ اعْتَادَهَا أَوِ احْتَاجَ إِلَيْهَا، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ قَرِيبًا فِي بَابِ لُبْسِ الْجُبَّةِ الضَّيِّقَةِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ، وَقَالَ غَيْرُهُ) يَعْنِي بِسَنَدِهِ (فَرُّوجُ حَرِيرٍ). أَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ ﵀ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ غَيْرِهِ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهَاشِمٍ وَهُوَ أَبُو النَّضْرِ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَالْحَارِثُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ كُلِّهِمْ عَنِ اللَّيْثِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا التَّنْوِينُ وَالْإِضَافَةُ كَمَا يُقَالُ ثَوْبُ خَزٍّ بِالْإِضَافَةِ وَثَوْبٌ خَزٌّ بِتَنْوِينِ ثَوْبٍ قَالَهُ ابْنُ التِّينِ احْتِمَالًا. ثَانِيهَا: ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُهُ حَكَاهُ ابْنُ التِّينِ رِوَايَةً، قَالَ: وَالْفَتْحُ أَوْجَهُ لِأَنَّ فَعُّولًا لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي سُبُّوحٍ وَقُدُّوسٍ وَفَرُّوخٍ يَعْنِي الْفَرْخَ مِنَ الدَّجَاجِ انْتَهَى، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حِكَايَةَ جَوَازِ الضَّمِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ حُكِيَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالضَّمُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ. ثَالِثُهَا: تَشْدِيدُ الرَّاءِ وَتَخْفِيفُهَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ. رَابِعُهَا: هَلْ هُوَ بِجِيمٍ آخِرَهُ أَوْ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ حَكَاهُ عِيَاضٌ أَيْضًا. خَامِسُهَا: حَكَاهُ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ: الْأَوَّلُ فَرُّوجٌ مِنْ حَرِيرٍ بِزِيَادَةِ مِنْ وَالثَّانِي بِحَذْفِهَا. قُلْتُ: وَزِيَادَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا عَنْ رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ.
١٣ - بَاب الْبَرَانِسِ
٥٨٠٢ - وَقَالَ لِي مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ: قال: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ
٥٨٠٣ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute