بْنُ عَوْفٍ ﵁ يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ - وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي - فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ. لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي.
[الحديث ١٢٧٤ - طرفاه في: ١٢٧٥، ٤٠٤٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ)؛ أَيْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَاعَى لَفْظَ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَرَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَحَكَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ بِذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا رِوَايَةً شَاذَّةً عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الْكَفَنُ مِنَ الثُّلُثِ. وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: مِنَ الثُّلُثِ إِنْ كَانَ قَلِيلًا. قُلْتُ: أَخْرَجَهُمَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْكَفَنِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ كَمَا لَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ شَيْئًا مَرْهُونًا أَوْ عَبْدًا جَانِيًا.
قَوْلُهُ: (وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، الزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَتَادَةُ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَوَصَلَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، قَالَ: الْحَنُوطُ وَالْكَفَنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ قَالَا: الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: الْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ: وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ - يَعْنِي النَّخَعِيَّ -: يُبْدَأ بِالْكَفَنِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُفْيَانُ) أَيِ الثَّوْرِيُّ إِلَخْ، وَصَلَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ قَوْلِ النَّخَعِيِّ كَذَلِكَ دُونَ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ النَّخَعِيِّ بِلَفْظِ: الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ؛ أَيِ الثَّوْرِيَّ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَأَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغُسْلِ؟ قَالَ: هُوَ مِنَ الْكَفَنِ. أَيْ أَجْرُ حَفْرِ الْقَبْرِ وَأَجْرُ الْغَاسِلِ مِنْ حُكْمِ الْكَفَنِ فِي أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ) هُوَ الْأَزْرَقِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَعْدٍ)؛ أَيِ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَاوٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ جَدِّ أَبِيهِ، وَسَيَأْتِي سِيَاقُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَصْرَحُ اتِّصَالًا مِنْ هَذَا. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي، وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ. لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْلِكُهُ إِلَّا الْبُرْدَ الْمَذْكُورَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ: إِلَّا بُرْدَهُ بِالضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا بُرْدَةً بِلَفْظِ وَاحِدَةٍ الْبُرُودَ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ خَبَّابٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ: وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا نَمِرَةً. وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ هَلْ يَكُونُ كَفَنُهُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، أَوِ لِلْعَوْرَةِ فَقَطْ؟ الْمُرَجَّحُ الأَوَّلُ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَصِفُ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْبَدَنِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ رَجُلٌ آخَرُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا بِذِكْرِ حَمْزَةَ، وَمُصْعَبٍ فَقَطْ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: يُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِيثَارُ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَإِيثَارُ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ عَلَى تَعَاطِي الِاكْتِسَابِ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ الطَّعَامِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا.
٢٦ - باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute