للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَى أَنَّ الْعَيْبَ إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّنْعَةِ لَمْ يُكْرَهْ، قَالَ: لِأَنَّ صَنْعَةَ اللَّهِ لَا تُعَابُ وَصَنْعَةُ الْآدَمِيِّينَ تُعَابُ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ التَّعْمِيمُ، فَإِنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الصَّانِعِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَنْ لَا يُعَابَ، كَقَوْلِهِ مَالِحٌ حَامِضٌ قَلِيلُ الْمِلْحِ غَلِيظٌ رَقِيقٌ غَيْرُ نَاضِجٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) هُوَ الْأَشْجَعِيُّ، وَلِلْأَعْمَشِ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةِ عَنْهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى جَعْدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ لِكَوْنِهِ عَنْ شَرْطِهِ دُونَ أَبِي يَحْيَى، وَأَبُو يَحْيَى مَوْلَى جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيِّ مَدَنِيٌّ مَا لَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَشَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ إِلَى أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى فَقَالَ لَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ يُخَالِفُهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا انْتَقَدَ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُعَلَّلَةِ الَّتِي ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ أَنَّهُ يُورِدُهَا وَيُبَيِّنُ عِلَّتَهَا، كَذَا قَالَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لَا عِلَّةَ فِيهِ لِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَأْتِي هَذَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَبِي يَحْيَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَاذًّا، أَمَّا بَعْدَ أَنْ وَافَقَ الْجَمَاعَةَ عَلَى أَبِي حَازِمٍ فَتَكُونُ زِيَادَةً مَحْضَةً حَفِظَهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ ; وَهُوَ مِنْ أَحْفَظِهِمْ عَنْهُ فَيُقْبَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ) يَعْنِي مِثْلَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الضَّبِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يَحْيَى وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ أَيْ عَنْ عَيْبِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ، وَكُلٌّ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ.

٢٢ - بَاب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ

٥٤١٠ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ النَّقِيَّ؟ قَالَ: لَا. فَقُلْتُ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ.

[الحديث ٥٤١٠ - طرفه في: ٥٤١٣]

قَوْلُهُ (بَابُ النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ) أَيْ بَعْدَ طَحْنِهِ لِتَطِيرَ مِنْهُ قُشُورُهُ. وَكَأَنَّهُ نَبَّهَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ خَاصٌّ بِالطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ.

قَوْلُهُ (أَبُو غَسَّانَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ، وَهُوَ غَيْرُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَابِعِيًّا.

قَوْلُهُ (النَّقِيُّ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ خُبْزُ الدَّقِيقِ الْحُوَّارَي وَهُوَ النَّظِيفُ الْأَبْيَضُ، وَفِي حَدِيثِ الْبَعْثِ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى أَرْضٍ عَفْرَاءَ كَقَرْصَةِ النَّقِيِّ وَذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَتَمَّ مِنْهُ.

قَوْلُهُ (قَالَ لَا) هُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ مَا رَأَى مُرَقَّقًا قَطُّ.

قَوْلُهُ (فَهَلْ كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ) أَيْ بَعْدَ طَحْنِهِ.

قَوْلُهُ (وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى النَّبِيُّ مُنْخُلًا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَظُنُّهُ احْتَرَزَ عَمَّا قَبْلَ الْبَعْثَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ سَافَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ مَعَ الرُّومِ، وَالْخُبْزُ النَّقِيُّ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ، وَكَذَا الْمَنَاخِلُ وَغَيْرُهَا مِنْ آلَاتِ التَّرَفُّهِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَأَمَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْمَدِينَةِ، وَوَصَلَ إِلَى تَبُوكَ وَهِيَ مِنْ أَطْرَافِ الشَّامِ لَكِنْ لَمْ يَفْتَحْهَا وَلَا طَالَتْ إِقَامَتُهُ بِهَا، وَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ: نَخَلْتُ الدَّقِيقَ أَيْ غَرْبَلْتُهُ، الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ أَخْرَجْتُ مِنْهُ النُّخَالَةُ.

٢٣ - بَاب مَا كَانَ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ