﷽
٣٢ - كِتَاب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
١ - بَاب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وقال اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ.
٢٠١٤ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ، وَأيمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
قوله (بَابُ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ﴾ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ) ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ الْبَابِ بَسْمَلَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿ أَيْ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ السُّورَةَ كُلَّهَا. وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي فَضْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ لِلْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وَمِمَّا تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ مِنْ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَنَزُّلُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا، وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن تَفْسِيرِهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَوْ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ. وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا التَّضْيِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ فَقَالَ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَقْدَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْرُ بِسُكُونِ الدَّالِ، وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَ الدَّالِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ وَإِظْهَارُهُ وَتَحْدِيدُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِتَحْصِيلِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فِيهَا مِقْدَارًا بِمِقْدَارِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ. . . إِلَخْ) وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ وَمَا أَدْرَاكَ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ وَمَا يُدْرِيكَ: فَلَمْ يُخْبِرْهُ بِهِ. انْتَهَى. وَعَزَاهُ مُغَلْطَايْ فِيمَا قَرَأْتُ بِخَطِّهِ لِتَفْسِيرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، وَقَدْ رَاجَعْتُ مِنْهُ نُسْخَةً بِخَطِّ الْحَافِظِ الضِّيَاءِ فَلَمْ أَجِدْهُ فِيهِ، وَمَقْصُودُ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَعْرِفُ تَعْيِينَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقَدْ تُعُقِّبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute