مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا غَيْرَ مُرْتَكِبٍ كَبِيرَةً وَلَا مُصِرًّا عَلَى صَغِيرَةٍ، زَادَ الشَّافِعِيُّ: وَأَنْ يَكُونَ ذَا مُرُوءَةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا مُتَّهَمًا فِيهَا بِجَرِّ نَفْعٍ وَلَا دَفْعِ ضُرٍّ وَلَا أَصْلًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا فَرْعًا مِنْهُ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفَاصِيلَ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ التَّرَاجِمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ) أَيِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، سَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ رؤية، وَحَدِيثُهُ هَذَا عَنْ عُمَرَ أَغْفَلَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْمَرْفُوعُ مِنْهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَإنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ) أَيْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالْمُرَادُ انْقِطَاعُ أَخْبَارِ الْمَلَكِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى لِبَعْضِ الْآدَمِيِّينَ بِالْأَمْرِ فِي الْيَقَظَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فِرَاسٍ عَنْ عُمَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِنَّا كُنَّا نَعْرِفُكُمْ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَإِذِ الْوَحْيُ يَنْزِلُ وَإِذْ يَأْتِينَا مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَأَرَادَ أَنَّ النَّبِيَّ قَدِ انْطَلَقَ وَرُفِعَ الْوَحْيُ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ) بِهَمْزَةٍ بِغَيْرِ مَدٍّ وَمِيمٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مِنَ الْأَمْنِ، أَيْ صَيَّرْنَاهُ عِنْدَنَا أَمِينًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فِرَاسٍ: أَلَا وَمَنْ يُظْهِرُ مِنْكُمْ خَيْرًا؛ ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُ يُحَاسِبُ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْحَمَوِيِّ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَلِلْبَاقِينَ اللَّهُ مُحَاسِبُهُ بِمِيمٍ أَوَّلَهُ وَهَاءٍ آخِرَهُ.
قَوْلُهُ: (سُوءًا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ شَرًّا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي فِرَاسٍ: وَمَنْ يُظْهِرُ لَنَا شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ ; سَرَائِرُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ قَالَ الْمُهَلَّبُ: هَذَا إِخْبَارٌ مِنْ عُمَرَ عَمَّا كَانَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَمَّا صَارَ بَعْدَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْعَدْلَ مَنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الرِّيبَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ كَذَا قَالَ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَعْرُوفِينَ لَا مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ أَصْلًا.
٦ - باب تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ؟
٢٦٤٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا - أَوْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ - فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ لِهَذَا: وَجَبَتْ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ، قَالَ شَهَادَةُ الْقَوْمِ، الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ.
٢٦٤٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ ﵁ فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ خَيْرًا فَقَالَ عمر: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ شَرًّا فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قُلْنَا: وَثَلَاثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلَاثَةٌ قُلْتُ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (تَعْدِيلُ كَمْ يَجُوزُ؟) أَيْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ التَّعْدِيلِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ؟ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْ أَنَسٍ، وَعُمَرَ فِي ثَنَاءِ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ عَلَى الْمَيِّتِينَ، وَفِيهِمَا قَوْلُهُ ﵊: وَجَبَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَحَكَيْتُ عَنِ ابْنِ الْمُنِيرِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: قَالَ ابْنِ بَطَّالٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَعْدِيلٍ وَاحِدٍ،