﷽
٥٠ - كِتَابُ الْمُكَاتَبِ
قَوْلُهُ: (بَابٌ فِي الْمُكَاتَبِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ كِتَابُ الْمُكَاتَبِ؛ وَأَثْبَتُوا كُلُّهُمُ الْبَسْمَلَةَ. وَالْمُكَاتَبُ بِالْفَتْحِ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْكِتَابَةُ، وَبِالْكَسْرِ مَنْ تَقَعُ مِنْهُ، وَكَافُ الْكِتَابَةِ تُكْسَرُ وَتُفْتَحُ كَعَيْنِ الْعِتَاقَةِ، قَالَ الرَّاغِبُ: اشْتِقَاقُهَا مِنْ كَتَبَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ - ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ أَوْ بِمَعْنَى جَمَعَ وَضَمَّ، وَمِنْهُ كَتَبْتُ الْخَطَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنْ مَعْنَى الِالْتِزَامِ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْخَطِّ لِوُجُودِهِ عِنْدَ عَقْدِهَا غَالِبًا.
قَالَ الرُّويَانِيُّ: الْكِتَابَةُ إِسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَذَا قَالَ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَأْبَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ التِّينِ: كَانَتِ الْكِتَابَةُ مُتَعَارَفَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ ﷺ. وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كَلَامِهِ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ: قِيلَ: إِنَّ بَرِيرَةَ أَوَّلُ مُكَاتَبَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ كَانُوا يُكَاتِبُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ مِنَ الرِّجَالِ فِي الْإِسْلَامِ سَلْمَانُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.
وَحَكَى ابْنُ التِّينِ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كُوتِبَ أَبُو الْمُؤَمِّلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَعِينُوهُ، وَأَوَّلَ مَنْ كُوتِبَ مِنَ النِّسَاءِ بَرِيرَةُ، كَمَا سَيَأْتِي حَدِيثُهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ، وَأَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ أَبُو أُمَيَّةَ مَوْلَى عُمَرَ، ثُمَّ سِيرِينُ مَوْلَى أَنَسٍ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْكِتَابَةِ، وَأَحْسَنُهُ: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَلَى مُعَاوَضَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَالْكِتَابَةُ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ إِلَّا إِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ، وَجَائِزَةٌ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا.
بَابُ إِثْمِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ
قَوْلُهُ: (بَابُ إِثْمِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ) كَذَا لِلْجَمِيعِ هُنَا إِلَّا النَّسَفِيَّ وَأَبَا ذَرٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَثْبَتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ فِيهَا حَدِيثًا، وَلَا أَعْرِفُ لِدُخُولِهَا فِي أَبْوَابِ الْمُكَاتَبِ مَعْنًى. ثُمَّ وَجَدْتُهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبَّوَيْهِ مُقَدَّمَةً قَبْلَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَّجَهُ، وَعَلَى هَذَا فَكَأنَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَ بِهَا وَأَخْلَى بَيَاضًا لِيَكْتُبَ فِيهَا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكْتُبْ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِهَا. وَقَدْ تَرْجَمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ بَابُ قَذْفِ الْعَبْدِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ - جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ.
١ - بَاب الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ
وَقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ وَقَالَ رَوْحٌ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا. وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَبَى فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ ﵁، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَيَتْلُو عُمَرُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ فَكَاتَبَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute