للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢٥٦٠ - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْس أَوَاقي نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلَاءُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ.

قَوْلُهُ: (بَابٌ الْمُكَاتَبُ وَنُجُومُهُ) فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ الْآيَةَ، سَاقُوهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِي آتَاكُمْ﴾ إِلَّا النَّسَفِيَّ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ وَنَجْمُ الْكِتَابَةِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يُؤَدِّيهِ الْمُكَاتَبُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَبْنُونَ أُمُورَهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ عَلَى طُلُوعِ النَّجْمِ وَالْمَنَازِلِ لِكَوْنِهِمْ لَا يَعْرِفُونَ الْحِسَابَ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ الْفُلَانِيُّ أَدَّيْتُ حَقَّكَ، فَسُمِّيَتِ الْأَوْقَاتُ نُجُومًا بِذَلِكَ، ثُمَّ سُمِّيَ الْمُؤَدَّى فِي الْوَقْتِ نَجْمًا.

وَعُرِفَ مِنَ التَّرْجَمَةِ اشْتِرَاطُ التَّأْجِيلِ فِي الْكِتَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وُقُوفًا مَعَ التَّسْمِيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّمِّ (١)، وَهُوَ ضَمُّ بَعْضِ النُّجُومِ إِلَى بَعْضٍ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّمُّ نَجْمَانِ، وَبِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْكِتَابَةِ الْحَالَّةِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَالرُّويَانِيِّ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا نَصَّ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ مُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ شَبَّهُوهُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ، وَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنْ لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ التَّأْجِيلَ جُعِلَ رِفْقًا بِالْمُكَاتَبِ لَا بِالسَّيِّدِ، فَإِذَا قَدَرَ الْعَبْدُ عَلَى ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ، وَبِأَنَّ سَلْمَانَ كَاتَبَ - بِأَمْرِ النَّبِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْجِيلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ خَبَرِهِ، وَبِأَنَّ عَجْزَ الْمُكَاتَبِ عَنِ الْقَدْرِ الْحَالِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكِتَابَةِ كَالْبَيْعِ فِي الْمَجْلِسِ، كَمَنِ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ حَالَّةً وَهُوَ لَا يَقْدِرُ حِينَئِذٍ إِلَّا عَلَى دِرْهَمٍ نَفَذَ الْبَيْعُ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ أَكْثَرِ الثَّمَنِ، وَبِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ أَجَازُوا السَّلَمَ الْحَالَّ وَلَمْ يَقِفُوا مَعَ التَّسْمِيَةِ مَعَ أَنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِالتَّأْجِيلِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ فَأَخَذَهُ مِنْ صُورَةِ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ بَعْدَ بَابٍ، وَلَمْ يُرِدِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِيهِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّنْجِيمُ بِالْأَشْهُرِ جَازَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَفْظُ نَجْمٍ فِي آخِرِهِ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ كَمَا سَيَأْتِي بيانه بَعْدَ بَابَيْنِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ خَالِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَبِيحٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، فَسَأَلْتُهُ الْكِتَابَةَ فَأَبَى، فَنَزَلَتْ: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ الْآيَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ فِي تَرْجَمَةِ صَبِيحٍ فِي الصَّحَابَةِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ رَوْحٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ، قَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا) وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ


(١) قال مصصح طبعة بولاق "والأولى مشتقة من الكتب بمعنى الضم"