الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ بِهَذَا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْأَثَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ تَحْرِيفٌ لَزِمَ مِنْهُ الْخَطَأُ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَهُ لِي أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، وَقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَهُوَ فَاعِلُ قُلْتُ لِعَطَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالشَّافِعِيُّ - وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَا فِيهِ: وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ نَقَلَ عَنْ عَطَاءٍ التَّرَدُّدَ فِي الْوُجُوبِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الْجَزْمَ بِهِ أَوْ مُوَافَقَةَ عَطَاءٍ. ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي الْأَصْلِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ عَلَى الصَّوَابِ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَفْظُهُ وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَيِ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ) الْقَائِلُ ثُمَّ أَخْبَرَنِي هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَيْضًا، وَمُخْبِرُهُ هُوَ عَطَاءٌ، وَوَقَعَ مُبَيَّنًا كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ، وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَأَلَ .. فَذَكَرَهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُخْبِرٌ أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ وَقَدْ عُرِفَ اسْمُ الْمُخْبِرِ مِنْ رِوَايَةِ رَوْحٍ، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ الْإِرْسَالُ فَإِنَّ مُوسَى لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ سُؤَالِ ابن سِيرِينَ مِنْ أَنَسٍ الْكِتَابَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَرَادَنِي سِيرِينُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَسِيرِينُ الْمَذْكُورُ يُكَنَّى أَبَا عَمْرَةَ، وَهُوَ وَالِدُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ الْفَقِيهِ الْمَشْهُورِ وَإِخْوَتِهِ، وَكَانَ مِنْ سَبْيِ عَيْنِ التَّمْرِ اشْتَرَاهُ أَنَسٌ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَوَى هُوَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ) زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: فَاسْتَعْدَاهُ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ: وَكَاتَبَهُ أَنَسٌ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَاتَبَ أَنَسٌ أَبِي عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَاتَبَنِي أَنَسٌ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَا مَحْفُوظَيْنِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْوَزْنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْعَدَدِ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: هَذِهِ مُكَاتَبَةُ أَنَسٍ عِنْدَنَا: هَذَا مَا كَاتَبَ أَنَسٌ غُلَامَهُ سِيرِينَ: كَاتَبَهُ عَلَى كَذَا وَكَذَا أَلْفٍ وَعَلَى غُلَامَيْنِ يَعْمَلَانِ مِثْلَ عَمَلِهِ وَاسْتُدِلَّ بِفِعْلِ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى بِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ إِذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ، لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا ضَرَبَ أَنَسًا عَلَى الِامْتِنَاعِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّبَهُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ الْمُؤَكَّدِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ الْكِتَابَةَ: لَوْلَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا فَعَلْتُ فَلَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْوُجُوبَ.
وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالضَّحَّاكِ، زَادَ الْقُرْطُبِيُّ: وَعِكْرِمَةُ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ: أَنَّ مُكَاتَبَتَهُ وَاجِبَةٌ إِذَا طَلَبَهَا، وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُ الْحَاكِمُ السَّيِّدَ عَلَى ذَلِكَ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِالْوُجُوبِ، وَبِهِ قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ. قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إِنَّمَا عَلَا عُمَرُ، أَنَسًا بِالدِّرَّةِ عَلَى وَجْهِ النُّصْحِ لِأَنَسٍ، وَلَوْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ لَزِمَتْ أَنَسًا مَا أَبَى، وَإِنَّمَا نَدَبَهُ عُمَرُ إِلَى الْأَفْضَلِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ وَكَسْبَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَتِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: خُذْ كَسْبِي وَأَعْتِقْنِي يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَعْتِقْنِي بِلَا شَيْءٍ وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute