للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي سَبَبِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَانُوا يَجْعَلُونَ السَّنَةَ اثَّنَى عَشَرَ شَهْرًا وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَتَدُورُ الْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ) هُوَ تَفْسِيرُ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: الصَّوَابُ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، يَعْنِي لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ الشَّهْرُ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَعَادَهُ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ ثَلَاثُ مُدَدٍ مُتَوَالِيَاتٍ، انْتَهَى. أَوْ بِاعْتِبَارِ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي لَا يُذْكَرُ التَّمْيِيزُ مَعَهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ، وَذِكْرَهَا مِنْ سَنَتَيْنِ لِمَصْلَحَةِ التَّوَالِي بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ بَدَأَ بِالْمُحَرَّمِ لَفَاتَ مَقْصُودُ التَّوَالِي. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِبْطَالِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَأْخِيرِ بَعْضِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَقِيلَ: كَانُوا يَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَجْعَلُونَ صَفَرًا الْمُحَرَّمَ لِئَلَّا يَتَوَالَى عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَا يَتَعَاطَوْنَ فِيهَا الْقِتَالَ، فَلِذَلِكَ قَالَ مُتَوَالِيَاتٌ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْحَاءٍ: مِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُحَرَّمَ صَفَرًا فَيُحِلُّ فِيهِ الْقِتَالَ، وَيُحَرِّمُ الْقِتَالَ فِي صَفَرٍ وَيُسَمِّيهِ الْمُحَرَّمَ. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ سَنَةً هَكَذَا وَسَنَةً هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ سَنَتَيْنِ هَكَذَا وَسَنَتَيْنِ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَخِّرُ صَفَرًا إِلَى رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَرَبِيعًا إِلَى مَا يَلِيهِ وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَصِيرَ شَوَّالٌ ذَا الْقَعْدَةِ وَذُو الْقَعْدَةِ ذَا الْحِجَّةِ، ثُمَّ يَعُودُ الْعَدَدُ عَلَى الْأَصْلِ.

قَوْلُهُ: (وَرَجَبٌ مضر) أَضَافَهُ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْظِيمِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَيُقَالُ إِنَّ رَبِيعَةَ كَانُوا يَجْعَلُونَ بَدَلَهُ رَمَضَانَ، وَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ فَيُحِلُّونَ رَجَبًا وَيُحَرِّمُونَ شَعْبَانَ، وَوَصَفَهُ بِكَوْنِهِ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ تَأْكِيدًا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ نَسَئُوا بَعْضَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَيْ أَخَّرُوهَا، فَيُحِلُّونَ شَهْرًا حَرَامًا وَيُحَرِّمُونَ مَكَانَهُ آخَرَ بَدَلَهُ حَتَّى رَفَضَ تَخْصِيصَ الْأَرْبَعَةِ بِالتَّحْرِيمِ أَحْيَانًا، وَوَقَعَ تَحْرِيمُ أَرْبَعَةٍ مُطْلَقَةٍ مِنَ السَّنَةِ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَشْهُرَ رَجَعَتْ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَبَطَلَ النَّسِيءُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانُوا يُخَالِفُونَ بَيْنَ أَشْهُرِ السَّنَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَسْبَابٍ تَعْرِضُ لَهُمْ، مِنْهَا اسْتِعْجَالُ الْحَرْبِ، فَيَسْتَحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ثُمَّ يُحَرِّمُونَ بَدَلَهُ شَهْرًا غَيْرَهُ فَتَتَحَوَّلُ فِي ذَلِكَ شُهُورُ السَّنَةِ وَتَتَبَدَّلُ، فَإِذَا أَتَى عَلَى ذَلِكَ عِدَّةٌ مِنَ السِّنِينَ اسْتَدَارَ الزَّمَانُ وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى أَصْلِهِ، فَاتَّفَقَ وُقُوعُ حَجَّةِ النَّبِيِّ عِنْدَ ذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ):

أَبْدَى بَعْضُهُمْ لِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ مِنْ تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مُنَاسَبَةً لَطِيفَةً حَاصِلُهَا أَنَّ لِلْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مَزِيَّةً عَلَى مَا عَدَاهَا فَنَاسَبَ أَنْ يُبْدَأَ بِهَا الْعَامُ وَأَنْ تَتَوَسَّطَهُ وَأَنْ تُخْتَمَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَتْمُ بِشَهْرَيْنِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ خِتَامَ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى عَمَلِ مَالٍ مَحْضٍ وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَعَمَلِ بَدَنٍ مَحْضٍ، وَذَلِكَ تَارَةً يَكُونُ بِالْجَوَارِحِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَتَارَةً بِالْقَلْبِ وَهُوَ الصَّوْمُ، لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ. وَتَارَةً عَمَلٌ مُرَكَّبٌ مِنْ مَالٍ وَبَدَنٍ وَهُوَ الْحَجُّ. فَلَمَّا جَمَعَهُمَا نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ضِعْفُ مَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَكَانَ لَهُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ شَهْرَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٩ - بَاب: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ معنا: نَاصِرُنَا، السَّكِينَةُ: فَعِيلَةٌ مِنْ السُّكُونِ

٤٦٦٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ فِي الْغَارِ، فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا، قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا.