مُرْضِعَةٍ﴾ فَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ الْإِرْضَاعَ مِنْ شَأْنِهَا لَقِيلَ: كُلُّ مُرْضِعٍ. اهـ. وَالَّذِي وَقَفَنَا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ: وَهِيَ حَامِلٌ وَفِي كَلَامِ أَبِي السَّنَابِلِ لَسْتِ بِنَاكِحٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزْوِيجُ؛ لِقَوْلِهَا فِي الْخَبَرِ مِنْ طَرِيقِ الزهري: وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ إِنَّ بَدَا لِي وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: وَأَمَرَهَا بِالتَّزْوِيجِ فِيكُونُ مَعْنَاهُ: وَأُذِنَ لَهَا، وَكَذَا مَا وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ الأُولَى مِنَ الْبَابِ: فَقَالَ: انْكِحِي وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَقَدْ حَلَلْتِ فَتُزَوِّجِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأُسُودِ، عَنْ أَبِي السَّنابل عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ فِي آخِرِهِ: فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتِ زَوْجًا صَالِحًا فَتُزَوِّجِي وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: إِذَا أَتَاكِ أَحَدٌ تَرْضَيْنَهُ.
وَفِيهِ أَنَّ الثيِّبَ لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِرِضَاهَا مِنْ تَرْضَاهُ وَلَا إِجْبَارَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
٤٠ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ، يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ: أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا. وَيُقَالُ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ: إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ سَقَطَ لَفْظُ: بَابٍ لِأَبِي ذَرٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُطَلَّقَاتِ هُنَا ذَوَاتُ الْحَيْضِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ سُورَةِ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّرَبُّصِ الِانْتِظَارُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قُرُوءٍ بِالْهَمْزِ، وَعَنْ نَافِعٍ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ (فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ، وَهَذَا أُحِبُّ إِلَى سُفْيَانَ) زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ فَحَاضَتْ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ فَحَاضَتْ، قَالَ: بَانَتْ مِنَ الْأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ الَّذِي بَعْدَهُ وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: تَحْتَسِبُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ قَالَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ يَقُولُ هَذَا غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهَا إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ طَهُرَتْ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهَا فِي الطُّهْرِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ فِي الْحَيْضِ لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّتَيْنِ، وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ: يَكْفِي لَهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ، إِلَخْ) مَعْمَرٌ هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْمُثَنَّى، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ، وَقَوْلُهُ: بِسَلًى بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّنْوِينِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، السَّلَى: هُوَ غِشَاءُ الْوَلَدِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا صَارَتْ ذَاتَ حَيْضٍ، وَالْقُرْءُ: انْقِضَاءُ الْحَيْضِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْحَيْضُ نَفْسُهُ، وَيُقَالُ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. وَمُرَادُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ الْقُرْءَ يَكُونُ بِمَعْنَى الطُّهْرِ وَبِمَعْنَى الْحَيْضِ وَبِمَعْنَى الضَّمِّ وَالْجَمْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ وَقَالَ: لَمَّا احْتَمَلَتِ الْآيَةُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَقْرَاءِ فِيهَا تَرَجَّحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ حَيْثُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute