للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْكَثِيرَ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الْحَثُّ عَلَى وَفَاءِ الدُّيُونِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِ لَوْ عِنْدَ تَمَنِّي الْخَيْرِ، وَتَخْصِيصُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنِ اسْتِعْمَالِ لَوْ عَلَى مَا يَكُونُ فِي أَمْرٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ شَرْعًا، وَادَّعَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَحْنَفِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟ قَالَ: فَنَظَرْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الشَّمْسِ .. الْحَدِيثَ أَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّمْثِيلِ فِي تَعْجِيلِ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَحْبِسَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ إِخْرَاجَهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ فَقَالَ: هُوَ بِعِيدٌ فِي التَّأْوِيلِ، وَإِنَّمَا السِّيَاقُ بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَه عَلَى عِظَمِ أُحُدٍ؛ لِيَضْرِبَ بِهِ الْمَثَلَ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْرُهُ ذَهَبًا مَا أَحَبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَا ذَكَرَ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَالْإِرْصَادِ، فَظَنَّ أَبُو ذَرٍّ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي حَاجَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ ذَاكَ مُرَادًا إِذْ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا اسْتَفْهَمَهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ لِيَسْتَحْضِرَ قَدْرَهُ حَتَّى يُشَبِّهَ لَهُ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا. وَقَالَ عِيَاضٌ: قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى، وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يُفَضِّلُ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ، وَمَأْخَذُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاضِحٌ مِنْ سِيَاقِ الْخَبَرِ، وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الصِّحَّةِ، وَتَرْجِيحُهُ عَلَى إِنْفَاقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ مَضَى فِيهِ حَدِيثُ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَغْنِيَاءِ يَشِحُّ بِإِخْرَاجِ مَا عِنْدَهُ مَا دَامَ فِي عَافِيَةٍ، فَيَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَيَخْشَى الْفَقْرَ، فَمَنْ خَالَفَ شَيْطَانَهُ وَقَهَرَ نَفْسَهُ؛ إِيثَارًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَازَ، وَمَنْ بَخِلَ بِذَلِكَ لَمْ يَأْمَنِ الْجَوْرَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يَأْمَنْ تَأْخِيرَ تَنْجِيزِ مَا أَوْصَى بِهِ، أَوْ تَرْكَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ خَلَّفَ وَارِثًا غَيْرَ مُوَفَّقٍ فَيُبَذِّرُهُ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، وَيَبْقَى وَبَالُهُ عَلَى الَّذِي جَمَعَهُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

١٥ - بَاب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ، وَقَال اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى - ﴿مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَعْمَلُوهَا، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا.

٦٤٤٦ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ،، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ.

قَوْلُهُ: (بَاب) بِالتَّنْوِينِ (الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)؛ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ قَلِيلَ الْمَالِ أَوْ كَثِيرَهُ، وَالْغِنَى بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَقْصُورٌ، وَقَدْ مُدَّ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَعَ الْمَدِّ هُوَ الْكِفَايَةُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ: إِلَى عَامِلُونَ وَهَذِهِ رَأْسُ الْآيَةِ التَّاسِعَةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْآيَةِ الْمُبْدَأِ بِهَا هُنَا، وَالْآيَاتُ الَّتِي بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَبَيْنَ الْأَخِيرَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا اعْتَرَضَتْ فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ لَلْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: نَمُدُّهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ ذُكِرَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا﴾ وَالْمَعْنَى: أَيَظُنُّونَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي نَرْزُقُهُمْ إِيَّاهُ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا؟ إِنْ ظَنُّوا ذَلِكَ أَخْطَئُوا؛ بَلْ هُوَ اسْتِدْرَاجٌ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾؛ أَيْ مِنَ الِاسْتِدْرَاجِ الْمَذْكُورِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنَ الْأَعْمَالَ مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَعْمَلُوهَا لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمُوهَا، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا السُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ فَقَالُوا: الْمَعْنَى كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ أَعْمَالٌ سَيِّئَةٌ، لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلُوهَا قَبْلَ مَوْتِهِمْ لِتَحِقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ.

ثُمَّ مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ