للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بُعْدٌ.

وَفِيهِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَنْسُبُونَ إِلَى التَّوْرَاةِ مَا لَيْسَ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا أَقْدَمُوا عَلَى تَبْدِيلِهِ، وَإِلَّا لَكَانَ فِي الْجَوَابِ حَيْدَةٌ عَنِ السُّؤَالِ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَمَّا يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فَعَدَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِمَا يَفْعَلُونَهُ وَأَوْهَمُوا أَنَّ فِعْلَهُمْ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ، فَأَكْذَبَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُسْقِطُوا شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهَا كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ لِاحْتِمَالِ خُصُوصِ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَكَذَا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي أُحْضِرَتْ حِينَئِذٍ كَانَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً سَالِمَةً مِنَ التَّبْدِيلِ لِأَنَّهُ يَطْرُقُهُ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِعَيْنِهِ وَلَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: آمَنْتُ بِكَ وَبِمَنْ أَنْزَلَكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ التَّوْرَاةُ.

وَفِيهِ اكْتِفَاءُ الْحَاكِمِ بِتُرْجُمَانٍ وَاحِدٍ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لَنَا بِدَلِيلِ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا أَوْ نَبِيِّهِمْ أَوْ شَرِيعَتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يُنْسَخْ مِنَ التَّوْرَاةِ أَصْلًا.

٣٨ - بَاب إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ أَوْ امْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ، هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ؟

٦٨٤٢، ٦٨٤٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ - وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا -: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ: تَكَلَّمْ، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا - قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ: الْأَجِيرُ - فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِيَ الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ. وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، فَارْجُمْهَا. فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ، هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ؟) ذَكَرَ قِصَّةَ الْعَسِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَذَفَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: هَلْ عَلَى الْإِمَامِ إِلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدَنَا وُجُوبُهُ وَالْحُجَّةُ فِيهِ بَعْثُ أُنَيْسٍ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَقَعَ فِي وَاقِعَةِ حَالٍ، لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْبَعْثِ مَا وَقَعَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَالِدِ الْعَسِيفِ مِنَ الْخِصَامِ وَالْمُصَالَحَةِ عَلَى الْحَدِّ وَاشْتِهَارِ الْقِصَّةِ حَتَّى صَرَّحَ وَالِدُ الْعَسِيفِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ زَوْجُهَا، فَالْإِرْسَالُ إِلَى هَذِهِ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ حَالِهَا مِنَ التُّهْمَةِ الْقَوِيَّةِ بِالْفُجُورِ، وَإِنَّمَا عُلِّقَ عَلَى اعْتِرَافِهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ فِي مِثْلِهَا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ لِتَعَذُّرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ،