للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيُسَمُّونَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ الْخَوَاصَّ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ أَنْكَرَهَا وَلَا مَنْ سَخِرَ مِنْهَا وَلَا مَنْ شَكَّ فِيهَا أَوْ فَعَلَهَا مُجَرِّبًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ، وَإِذَا كَانَ فِي الطَّبِيعَةِ خَوَاصُّ لَا يَعْرِفُ الْأَطِبَّاءُ عِلَلَهَا بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا تُفْعَلُ بِالْخَاصِّيَّةِ فَمَا الَّذِي تُنْكِرُ جَهَلَتَهُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ الشَّرْعِيَّةِ؟ هَذَا مَعَ أَنَّ فِي الْمُعَالَجَةِ بِالِاغْتِسَالِ مُنَاسَبَةً لَا تَأْبَاهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ، فَهَذَا تِرْيَاقُ سُمِّ الْحَيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا، وَهَذَا عِلَاجُ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ تُوضَعُ الْيَدُ عَلَى بَدَنِ الْغَضْبَانِ فَيَسْكُنُ، فَكَأَنَّ أَثَرُ تِلْكَ الْعَيْنِ كَشُعْلَةِ نَارٍ وَقَعَتْ عَلَى جَسَدٍ، فَفِي الِاغْتِسَالِ إِطْفَاءٌ لِتِلْكَ الشُّعْلَةِ.

ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْخَبِيثَةُ تَظْهَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْجَسَدِ لِشِدَّةِ النُّفُوذِ فِيهَا، وَلَا شَيْءَ أَرَقَّ مِنَ الْمَغَابِنِ، فَكَانَ فِي غَسْلِهَا إِبْطَالٌ لِعَمَلِهَا، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ لِلْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ اخْتِصَاصًا. وَفِيهِ أَيْضًا وُصُولُ أَثَرِ الْغَسْلِ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ أَرَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَسْرَعِهَا نَفَاذًا، فَتَنْطَفِئُ تِلْكَ النَّارُ الَّتِي أَثَارَتْهَا الْعَيْنُ بِهَذَا الْمَاءِ. الثَّالِثُ: هَذَا الْغَسْلُ يَنْفَعُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ النَّظْرَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ فَقَدْ أَرْشَدَ الشَّارِعُ إِلَى مَا يَدْفَعُهُ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْمَذْكُورَةِ كَمَا مَضَى: أَلَا بَرَّكْتَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ: مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، لَمْ يَضُرَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا أَنَّ الْعَائِنَ إِذَا عُرِفَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالِاغْتِسَالِ، وَأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ النَّشْرَةِ النَّافِعَةِ، وَأَنَّ الْعَيْنَ تَكُونُ مَعَ الْإِعْجَابِ وَلَوْ بِغَيْرِ حَسَدٍ، وَلَوْ مِنَ الرَّجُلِ الْمُحِبِّ، وَمِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَأَنَّ الَّذِي يُعْجِبُهُ الشَّيْءُ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الدُّعَاءِ لِلَّذِي يُعْجِبُهُ بِالْبَرَكَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُقْيَةً مِنْهُ، وَأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاغْتِسَالِ بِالْفَضَاءِ، وَأَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ قَدْ تَقْتُلُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بِذَلِكَ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ أَتْلَفَ الْعَائِنُ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَتَلَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ عَادَةً، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالسَّاحِرِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْتُلُهُ كُفْرًا، انْتَهَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّافِعِيَّةُ لِلْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ، بَلْ مَنَعُوهُ وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُنْضَبِطٍ عَامٍّ دُونَ مَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِمَّا لَا انْضِبَاطَ لَهُ، كَيْفَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِعْلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ حَسَدٌ وَتَمَنٍّ لِزَوَالِ نِعْمَةٍ. وَأَيْضًا فَالَّذِي يَنْشَأُ عَنِ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ حُصُولُ مَكْرُوهٍ لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ فِي زَوَالِ الْحَيَاةِ، فَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ الْعَيْنِ اهـ. وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْحُكْمُ بِقَتْلِ السَّاحِرِ؛ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِيهِ عُسْرٌ. وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْعَائِنِ إِذَا عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَأَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَقُومُ بِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي أَمَرَ عُمَرُ بِمَنْعِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاضِحًا فِي بَابِهِ، وَأَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الثُّومِ الَّذِي مَنَعَ الشَّارِعُ آكِلَهُ مِنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ صَحِيحٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ.

٣٧ - بَاب رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ

٥٧٤١ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الرُّقْيَةِ مِنْ الْحُمَةِ فَقَالَتْ: رَخَّصَ النَّبِيُّ الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ.