للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

[الحديث ١٨٢ - أطرافه في: ٥٧٩٩، ٥٧٩٨، ٤٤٢١، ٢٩١٨، ٣٨٨، ٣٦٣، ٢٠٦، ٢٠٣]

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) هُوَ الْفَلَّاسُ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْبَصْرِيِّينَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَيِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَفِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ يَحْيَى، وَسَعْدًا تَابِعِيَّانِ صَغِيرَانِ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ تَابِعِيَّانِ وَسَطَانِ، فَفِيهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كَانَ) أَدَّى عُرْوَةُ مَعْنَى كَلَامِ أَبِيهِ بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: قال: إِنِّي كُنْتُ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ جَعَلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ الْتِفَاتٌ عَلَى رَأْيٍ فَيَكُونُ عُرْوَةُ أَدَّى لَفْظَ أَبِيهِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ ذَهَبَ وَفِي قَوْلِهِ لَهُ لِلنَّبِيِّ .

وَمَبَاحِثُ هَذَا الْحَدِيثِ تَأْتِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا مِنَ الْقُرُبَاتِ الَّتِي يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمَلَهَا عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، قال: وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَضِّئُهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ الْمُتَوَضِّئُ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ لِأَعْضَائِهِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَكْفِيَهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِالصَّبِّ - وَالِاغْتِرَافُ بَعْضُ عَمَلِ الْوُضُوءِ -، كَذَلِكَ يَجُوزُ فِي بَقِيَّةِ أَعْمَالِهِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْوَسَائِلِ لَا مِنَ الْمَقَاصِدِ، لِأَنَّهُ لَوِ اغْتَرَفَ ثُمَّ نَوَى أَنْ يَتَوَضَّأَ جَازَ، وَلَوْ كَانَ الِاغْتِرَافُ عَمَلًا مُسْتَقِلًّا لَكَانَ قَدْ قَدَّمَ النِّيَّةَ عَلَيْهِ (١) وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَحَاصِلُهُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْإِعَانَةِ بِالصَّبِّ وَبَيْنَ الْإِعَانَةِ بِمُبَاشَرَةِ الْغَيْرِ لِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَبْلُ. وَالْحَدِيثَانِ دَالَّانِ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبِّ، وَكَذَا إِحْضَارُ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الْمُبَاشَرَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِمَا عَلَيْهَا، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ أَصْلًا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أُبَالِي مَنْ أَعَانَنِي عَلَى طُهُورِي أَوْ عَلَى رُكُوعِي وَسُجُودِي، فَمَحْمُولٌ عَلَى الْإِعَانَةِ بِالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّبِّ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْكُبُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ.

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ بِوَضُوءٍ، فَقَالَ: اسْكُبِي، فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا أَصْرَحُ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، لِكَوْنِهِ فِي الْحَضَرِ، وَلِكَوْنِهِ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣٦ - بَاب قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسَلِّمْ، وَإِلَّا فَلَا تُسَلِّمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ) أَيِ: الْأَصْغَرِ (وَغَيْرِهِ)؛ أَيْ: مِنْ مَظَانِّ الْحَدَثِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ، وَالتَّقْدِيرُ بَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ أَيِ: الذِّكْرِ وَالسَّلَامِ وَنَحْوِهِمَا بَعْدَ الْحَدَثِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إِنْ جَازَتِ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الْحَدَثِ فَجَوَازُ غَيْرِهَا مِنَ الْأَذْكَارِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْ


(١) صوابه: لكان قد قدمه على النية. فتأمل