للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَيْدٌ يُخْرِجُ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنَ الْجِرَاحَاتِ فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ، وَزَادَ فِي الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ خَلُصَتْ نِيَّتُهُ.

قَوْلُهُ: (تَكُونُ كَهَيْئَتِهَا) أَعَادَ الضَّمِيرَ مُؤَنَّثًا لِإِرَادَةِ الْجِرَاحَةِ، وَيُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ الْقَابِسِيِّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ كُلُّ كَلْمَةٍ يُكْلَمُهَا وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ.

قَوْلُهُ: (تَفَجَّرُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَحَذْفِ التَّاءِ الْأُولَى إِذْ أَصْلُهُ تَتَفَجَّرُ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَرْفُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الرِّيحُ، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الدَّمِ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِصَاحِبِهِ بِفَضْلِهِ وَعَلَى ظَالِمِهِ بِفِعْلِهِ، وَفَائِدَةُ رَائِحَتِهِ الطَّيِّبَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ إِظْهَارًا لِفَضِيلَتِهِ أَيْضًا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْرَعْ غَسْلُ الشَّهِيدِ فِي الْمَعْرَكَةِ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ إِيرَادُ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدْخُلُ فِي طَهَارَةِ الدَّمِ وَلَا نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْمَطْعُونِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ بِإِيرَادِهِ تَأْكِيدُ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ تَبَدُّلَ الصِّفَةِ يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْصُوفِ، فَكَمَا أَنَّ تَغَيُّرَ صِفَةِ الدَّمِ بِالرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ أَخْرَجَهُ مِنَ الذَّمِّ إِلَى الْمَدْحِ فَكَذَلِكَ تَغَيُّرُ صِفَةِ الْمَاءِ إِذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ يُخْرِجُهُ عَنْ صِفَةِ الطَّهَارَةِ إِلَى النَّجَاسَةِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ إِثْبَاتُ انْحِصَارِ التَّنْجِيسِ بِالتَّغَيُّرِ وَمَا ذَكَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنْجِيسَ يَحْصُلُ بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ وِفَاقٌ، لَا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ النِّزَاعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَقْصُودُ الْبُخَارِيِّ أَنْ يُبَيِّنَ طَهَارَةَ الْمِسْكِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ ; لِكَوْنِهِ دَمًا انْعَقَدَ فَلَمَّا تَغَيَّرَ عَنِ الْحَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِنَ الدَّمِ وَهِيَ الزَّهَمُ وَقُبْحُ الرَّائِحَةِ إِلَى الْحَالَةِ الْمَمْدُوحَةِ وَهِيَ طِيبُ رَائِحَةِ الْمِسْكِ دَخَلَ عَلَيْهِ الْحِلُّ وَانْتَقَلَ مِنْ حَالَةِ النَّجَاسَةِ إِلَى حَالَةِ الطَّهَارَةِ، كَالْخَمْرَةِ إِذَا تَخَلَّلَتْ.

وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: مُرَادُهُ أَنَّ انْتِقَالَ الدَّمِ إِلَى الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْ حَالَةِ الذَّمِّ إِلَى حَالَةِ الْمَدْحِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا تَغْلِيبُ وَصْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الرَّائِحَةُ عَلَى وَصْفَيْنِ وَهُمَا الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَ أَحَدُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بِصَلَاحٍ أَوْ فَسَادٍ تَبِعَهُ الْوَصْفَانِ الْبَاقِيَانِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى رَدِّ مَا نُقِلَ عَنْ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ لَا يُؤَثِّرُ حَتَّى يَجْتَمِعَ وَصْفَانِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا تَغَيَّرَ رِيحُهُ بِشَيْءٍ طَيِّبٍ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ الْمَاءِ، كَمَا أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ اسْمِ الدَّمِ مَعَ تَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ إِلَى رَائِحَةِ الْمِسْكِ ; لِأَنَّهُ قَدْ سَمَّاهُ دَمًا مَعَ تَغَيُّرِ الرِّيحِ، فَمَا دَامَ الِاسْمُ وَاقِعًا عَلَى الْمُسَمَّى فَالْحُكْمُ تَابِعٌ لَهُ. اهـ كَلَامُهُ. وَيَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا كَانَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ فَاسِدَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا إِلَى صَلَاحٍ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِصَلَاحِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يُسْلَبِ اسْمَ الْمَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تَمْنَعُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَمَّا نَقَلَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدَّمَ لَمَّا انْتَقَلَ بِطِيبِ رَائِحَتِهِ مِنْ حُكْمِ النَّجَاسَةِ إِلَى الطَّهَارَةِ وَمِنْ حُكْمِ الْقَذَارَةِ إِلَى الطِّيبِ لِتَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ حَتَّى حَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمِسْكِ وَبِالطِّيبِ لِلشَّهِيدِ، فَكَذَلِكَ الْمَاءُ يَنْتَقِلُ بِتَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ إِلَى النَّجَاسَةِ، قَالَ: هَذَا ضَعِيفٌ مَعَ تَكَلُّفِهِ.

٦٨ - بَاب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

٢٣٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ.

[الحديث ٢٣٨ - أطرافه في: ٧٤٩٥، ٧٠٣٦، ٦٨٨٧٦٦٢٤، ٣٤٨٦، ٢٩٥٦، ٨٩٦، ٨٧٦]