بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ تَرَكَ كَلًّا) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّشْدِيدِ وَالتَّنْوِينِ (أَوْ ضَيَاعًا) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (فَإِلَيَّ) بِالتَّشْدِيدِ.
ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا لَفْظُ التَّرْجَمَةِ فَأَوْرَدَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي، فَأَنَا مَوْلَاهُ وَالضَّيَاعُ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي الْكَفَالَةِ وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الْكَفَالَةِ وَفِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ، وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِدْخَالِهِ فِي أَبْوَابِ النَّفَقَاتِ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ أَوْلَادٌ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ شَيْئًا فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ تَجِبُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٦ - بَاب الْمَرَاضِعِ مِنْ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ
٥٣٧٢ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي ابنة أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: وَتُحِبِّينَ ذَلِكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي، فَقَالَ: إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: ابنة أُمِّ سَلَمَةَ؟! فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّهَا ابنة أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ.
وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: ثُوَيْبَةُ، أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ) كَذَا لِلْجَمِيعِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: ضُبِطَ فِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَبِفَتْحِهَا فِي أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ وَالَتْ تُوَالِي. قُلْتُ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلِ الْمَضْبُوطُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مِنَ الْمَوَالِي لَا مِنَ الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: الْمَوْلَيَاتِ جَمْعُ مَوْلَاةٍ، وَأَمَّا الْمَوَالِيَاتُ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ جَمَعَ مَوْلَى جَمْعَ التَّكْسِيرِ ثُمَّ جَمَعَ مَوَالِيَ جَمْعَ السَّلَامَةِ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ فَصَارَ مَوَالِيَاتٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي قَوْلِهَا: انْكِحْ أُخْتِي وَفِي قَوْلِهِ ﷺ لِمَا ذَكَرَتْ لَهُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ؟ وَإِنَّمَا اسْتَثْبَتَهَا فِي ذَلِكَ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ غَيْرِ أُمِّ سَلَمَةَ تَحِلُّ لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَبُو سَلَمَةَ رَضِيعَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَبِيبَةً، بِخِلَافِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: قَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ تَقَدَّمَ هَذَا التَّعْلِيقُ مَوْصُولًا فِي جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ، وَسِيَاقُ مُرْسَلِ عُرْوَةَ أَتَمُّ مِمَّا هُنَا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ، وَأَرَادَ بِذِكْرِهِ هُنَا إِيضَاحَ أَنَّ ثُوَيْبَةَ كَانَتْ مَوْلَاةً لِيُطَابِقَ التَّرْجَمَةَ، وَوَجْهُ إِيرَادِهَا فِي أَبْوَابِ النَّفَقَاتِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ إِرْضَاعَ الْأُمِّ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ كَانَ لِلْأَبِ أَوِ الْوَلِيِّ إِرْضَاعُ الْوَلَدِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ حُرَّةً؛ كَانَتْ أَوْ أَمَةً، مُتَبَرِّعَةً كَانَتْ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute