وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ مَا تَرْجَمَ بِهِ: فَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ لِلْأُمِّ وَغَيْرِهَا التَّصَرُّفُ فِي مَصَالِحِ مَنْ فِي كَفَالَتِهِمْ مِنَ الْأَيْتَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَوْصِيَاءَ، وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنَّ الْيَتِيمَ يَشْتَغِلُ بِالْخِدْمَةِ عَنِ التَّأْدِيبِ وَهُوَ ضِدُّ الْمَطْلُوبِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ انْتِزَاعَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ يَقْتَضِي التَّقْيِيدَ بِمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَنْ يُؤَدِّبُهُ وَيَنْتَفِعُ بِتَأْدِيبِهِ كَمَا وَقَعَ لِأَنَسٍ فِي الْخِدْمَةِ النَّبَوِيَّةِ فَإِنَّهُ اسْتَفَادَ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا مِنَ الْآدَابِ مَا فَاقَ غَيْرَهُ مِمَّنْ أَدَبَهُ أَبُوهُ.
٢٦ - بَاب إِذَا وَقَفَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُدُودَ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ.
٢٧٦٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ﵁ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ - أَوْ رَايِحٌ، شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ - وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ.
قَالَ إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ رَايِحٌ.
٢٧٧٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ "أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا"
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا وَقَفَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُدُودَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ) كَذَا أَطْلَقَ الْجَوَازَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ أَوِ الْمُتَصَدَّقُ بِهِ مَشْهُورًا مُتَمَيِّزًا بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنَ التَّحْدِيدِ اتِّفَاقًا لَكِنْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ مَنْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَذَكَرَ مَصْرِفَهَا وَلَمْ يُحَدِّدْ شَيْئًا مِنْهَا صَارَتْ جَمِيعُهَا وَقْفًا، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ الشُّهُودِ بِالْحُدُودِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ بِالصِّيغَةِ الَّتِي لَا تَحْدِيدَ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِ الْوَاقِفِ وَإِرَادَتِهِ لِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّحْدِيدُ لِأَجْلِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ لِيُبَيِّنَ حَقَّ الْغَيْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ. أَيْ أَكْثَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمُفْرَدِ النَّكِرَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّفْضِيلِ سَائِغٌ.
قَوْلُهُ (مَالًا مِنْ نَخْلٍ) تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ إِسْحَاقَ تَسْمِيَةُ حَدَائِقِ أَبِي طَلْحَةَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْخُلُهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute