الْعَزِيزِ وَيَسْتَظِلُّ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (بَيْرُحَاءُ) تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ضَبْطِهَا فِي الزَّكَاةِ، وَمِنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ بَرِيحَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَتَقْدِيمِهَا عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ السَّاكِنَةِ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ، وَرَجَّحَ هَذَا صَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَالَ: هِيَ وَزْنُ فَعِيلَاءَ مِنَ الْبَرَاحِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الظَّاهِرَةِ الْمُنْكَشِفَةُ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بَارِيحَاءُ وَهُوَ بِإِشْبَاعِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ، وَوَهَمَ مَنْ ضَبَطَهُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ، فَإِنَّ أَرْيِحَاءَ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَيَحْتَمِلُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِاسْمِهَا، قَالَ عِيَاضٌ: رِوَايَةُ الْمَغَارِبَةِ إِعْرَابُ الرَّاءِ وَالْقَصْرُ فِي حَاءٍ، وَخَطَّأَ هَذَا الصُّورِيُّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ وَمِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ يَفْتَحُونَ الرَّاءَ فِي كُلِّ حَالٍ، زَادَ الصُّورِيُّ: وَكَذَلِكَ الْبَاءُ أَيْ أَوَّلَهُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ انْتَهَى الْخِلَافُ فِي النُّطْقِ بِهَا إِلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ، وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ جَزَمَ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: بِيرٌ كَلِمَةٌ وَحَاءٌ كَلِمَةٌ، ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَاخْتُلِفَ فِي حَاءٍ هَلْ هِيَ اسْمُ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ أَوْ مَكَانٍ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ الْبِئْرُ أَوْ هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِإِبِلٍ، وَكَأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَرْعَى هُنَاكَ وَتُزْجَرُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَأُضِيفَتِ الْبِئْرُ إِلَى اللَّفْظَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ (بَخْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ التَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفِ بِالْكَسْرِ، وَالرَّفْعُ وَالسُّكُونُ وَيَجُوزُ التَّنْوِينُ لُغَاتٌ، وَلَوْ كُرِّرَتْ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ تُنَوَّنَ الْأُولَى وَتُسَكَّنَ الثَّانِيَةُ، وَقَدْ يُسَكَّنَانِ جَمِيعًا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
بَخْ بَخْ لِوَالِدِهِ وَلِلْمَوْلُودِ
وَمَعْنَاهَا تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (رَابِحٌ أَوْ رَايِحٌ شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ) أَيِ الْقَعْنَبِيُّ أَيْ هَلْ هُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَوْ بِالْمُوَحَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (أَفْعَلُ) بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي طَلْحَةَ.
قَوْلُهُ: (فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ) فِيهِ تَعْيِينُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ؛ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا: أَفْعَلُ فَقَسَمَهَا، فَإِنَّهُ احْتَمَلَ الْأَوَّلَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ صِيغَةَ أَمْرٍ وَفَاعِلُ قَسَمَهَا النَّبِيَّ ﷺ، وَانْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ رَوَاهُ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، قَالَ وَقَوْلُهُ: فِي أَقَارِبِهِ أَيْ أَقَارِبِ أَبِي طَلْحَةَ، قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: فَقَالَ ﷺ: ضَعْهَا فِي قَرَابَتِكَ، فَجَعَلَهَا حَدَائِقَ بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، لَفْظُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، وَحَدِيثُ ثَابِتٍ نَحْوُهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِضَافَةُ الْقَسْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِنْ كَانَ سَائِغًا شَائِعًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ لَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ: رِوَايَةُ مَنْ قَالَ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ.
قَوْلُهُ: (فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ) فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمُتَقَدِّمَةِ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ، وَأُبَيٍّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ إِسْحَاقَ كَمَا تَرَى، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثُمَامَةَ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ: أَقَلُّ مَنْ يُعْطَى مِنَ الْأَقَارِبِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مُنْحَصِرِينَ اثْنَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ إِسْحَاقَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي ذِي رَحِمِهِ، وَكَانَ مِنْهُمْ حَسَّانُ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَهُمَا مَعَهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي مُرْسَلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ الْمُتَقَدِّمِ فَرَدَّهُ عَلَى أَقَارِبِهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأَخِيهِ - أَوِ ابْنِ أَخِيهِ - شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَنُبَيْطِ بْنِ جَابِرٍ فَتَقَاوَمُوهُ، فَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ) أَيِ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ) أَيْ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (رَايِحٌ) أَيْ بِالتَّحْتَانِيَّةِ، وَقَدْ وَصَلَ حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ فِي التَّفْسِيرِ وَحَدِيثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ فِي الزَّكَاةِ وَحَدِيثَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فِي الْوَكَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَفِي قِصَّةِ أَبِي طَلْحَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فِي الْوَقْفِ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ، وَأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَحْتَاجُ فِي انْعِقَادِهِ إِلَى قَبُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى صِحَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute