حَنْطَبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي طَلْحَةَ: الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، أَوْ بِكِسَاءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ.
قَوْلُهُ (بَابُ الْحَيْسِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ مَعَ شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي. وَأَصْلُ الْحَيْسِ مَا يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ، وَقَدْ يُجْعَلُ عَوِضَ الْأَقِطِ الْفَتِيتُ أَوِ الدَّقِيقُ.
وقَوْلُهُ فيه (وَضَلَعُ الدَّيْنِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ ثِقَلُهُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ سُكُونَ اللَّامِ وَفَسَّرَهُ بِالْمَيْلِ، وَيَأْتِي مَزِيدٌ لِشَرْحِ هَذَا الدُّعَاءِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ يَحْوِي بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَوَاوٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ يَجْعَلُ لَهَا حَوِيَّةً، وَهُوَ كِسَاءٌ مَحْشُوٌّ يُدَارُ حَوْلَ سَنَامِ الرَّاحِلَةِ يَحْفَظُ رَاكِبَهَا مِنَ السُّقُوطِ وَيَسْتَرِيحُ بِالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى بَدَا لَهُ أُحُدٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ (مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مِثْلَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ بِهِ، وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ بِهِ زَائِدَةً.
٢٩ - بَاب الْأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ
٥٤٢٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى، فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ.
[الحديث ٥٤٢٦ - أطرافه في ٥٦٣٢، ٥٦٣٣، ٥٨٣١، ٥٨٣٧]
قَوْلُهُ (بَابُ الْأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ) أَيِ الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ الْفِضَّةُ، كَذَا اقْتَصَرَ مِنَ الْآنِيَّةِ عَلَى هَذَا، وَالْأَكْلُ فِي جَمِيعِ الْآنِيَّةِ مُبَاحٌ إِلَّا إِنَاءَ الذَّهَبِ وَإِنَاءَ الْفِضَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا بِالتَّضْبِيبِ وَإِمَّا بِالْخَلْطِ وَإِمَّا بِالطِّلَاءِ، وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ الَّذِي سَاقَهُ فِي الْبَابِ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَّةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُؤْخَذُ مَنْعُ الْأَكْلِ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ ذِكْرُ الْأَكْلِ، فَيَكُونُ الْمَنْعُ مِنْهُ بِالنَّصِّ أَيْضًا، وَهَذَا فِي الَّذِي جَمِيعُهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَمَّا الْمَخْلُوطُ أَوِ الْمُضَبَّبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute