تَقَدَّمَا:
أَحَدُهُمَا حَدِيثُ سَعدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْوَصَايَا، وَأَوْرَدَهُ هُنَا عَالِيًا مِنْ طَرِيقِ الْجُعَيْدِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوَى شَدِيدَةً فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي شَدِيدًا بِالتَّذْكِيرِ عَلَى إِرَادَةِ الْمَرَضِ وَالشَّكْوَى بِالْقَصْرِ الْمَرَضُ وَقَوْلُهُ: وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَحْفُوظَةً، فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الرَّدِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَعْدًا كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ عَصَبَاتٌ وَزَوْجَاتٌ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ، وَيَكُونُ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ، أَيْ وَلِغَيْرِهَا مِنَ الْوَرَثَةِ. وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِتَقَدُّمِهَا عِنْدَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي فَتَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَلَمْ يُرِدْ ظَاهِرَ الْحَصْرِ. وَقَوْلُهُ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى جَبْهَتِي وَبِهَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَجْرِيدًا، وَقَوْلُهُ فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ أَيْ بَرْدَ يَدِهِ، وَذُكِّرَ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ أَوِ الْكَفِّ أَوِ الْمَسْحِ. وَقَوْلُهُ فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ قَالَ ابْنُ التِّينِ: صَوَابُهُ فِيمَا يُخَيَّلُ إِلَيَّ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ مِنَ التَّخَيُّلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ قُلْتُ: وَأَقَرَّهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ عَجِيبٌ. فَإِنَّ الْكَلِمَةَ صَوَابٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى يُخَيَّلُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ: خَالَ الشَّيْءَ يَخَالُهُ يَظُنُّهُ وَتَخَيَّلَهُ ظَنَّهُ، وَسَاقَ الْكَلَامَ عَلَى الْمَادَّةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كَفَّارَةِ الْمَرْضَى. وَقَوْلُهُ: فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى وَهِيَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ، وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَادَ مَرِيضًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَأْلَمُ ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ رَفَعَهُ تَمَام عِيَادَةُ الْمَرِيضِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَيَسْأَلُهُ كَيْفَ هُوَ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَلَفْظُهُ: فَيَقُولُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ أَوْ كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟
١٤ - بَاب مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ وَمَا يُجِيبُ
٥٦٦١ - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي مَرَضِهِ، فَمَسِسْتُهُ - وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا - فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. قَالَ: أَجَلْ، وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ
٥٦٦٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ هي حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، حتى تُزِيرَهُ الْقُبُورَ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَنَعَمْ إِذًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ وَمَا يُجِيبُ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ: حُمَّى تَفُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا قَرِيبًا، وَفِيهِ بَيَانُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْمَرِيضِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الْأَجَلِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْمَرِيضِ. وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ. وَقَوْلُهُ: نَفِّسُوا أَيْ أَطَمِعُوهُ فِي الْحَيَاةِ، فَفِي ذَلِكَ تَنْفِيسٌ لِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute