أَنَّهَا كُلَّهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ اخْتَلَفَتْ رُوَاتُهُ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنَّقْصِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ بِالْأَصَالَةِ صِفَةُ الشَّعْرِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ تَبَعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ شَعْرِهِ ﷺ كَانَ إِلَى قُرْبِ مَنْكِبَيْهِ كَانَ غَالِبَ أَحْوَالِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا طَالَ حَتَّى يَصِيرَ ذُؤَابَةً وَيَتَّخِذَ مِنْهُ عَقَائِصَ وَضَفَائِرَ كَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ وَفِي لَفْظٍ أَرْبَعُ ضَفَائِرَ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ أَرْبَعُ غَدَائِرَ يَعْنِي ضَفَائِرَ وَالْغَدَائِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ غَدِيرَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ، وَالضَّفَائِرُ بِوَزْنِهِ. فَالْغَدَائِرُ هِيَ الذَّوَائِبُ وَالضَّفَائِرُ هِيَ الْعَقَائِصُ، فَحَاصِلُ الْخَبَرِ أَنَّ شَعْرَهُ طَالَ حَتَّى صَارَ ذَوَائِبَ فَضَفَّرَهُ أَرْبَعَ عَقَائِصَ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي يَبْعُدُ عَهْدُهُ بِتَعَهُّدِهِ شَعْرَهُ فِيهَا وَهِيَ حَالَةُ الشُّغْلِ بِالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَلِي شَعْرٌ طَوِيلٌ فَقَالَ: ذِنَابُ ذُبَابٍ، فَرَجَعْتُ فَجَزَزْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ، وَهَذَا أَحْسَنُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالحديث السَّادِسُ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَعَنْ جَابِرٍ ذُكِرَا تَبَعًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﵉ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فيه وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ - بِالْمَدِّ - جَعْدٌ الْحَدِيثَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﷺ صَاحِبُكُمْ نَفْسُهُ ﷺ.
٦٩ - بَاب التَّلْبِيدِ
٥٩١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ ﵁ يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُلَبِّدًا.
٥٩١٥ - حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُهِلُّ مُلَبِّداً يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ".
٥٩١٦ - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ ﵂ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ".
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّلْبِيدِ) هُوَ جَمْعُ الشَّعْرِ فِي الرَّأْسِ بِمَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَالْخِطْمِيِّ وَالصَّمْغِ لِئَلَّا يَتَشَعَّثَ وَيَقْمَلَ فِي الْإِحْرَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا.
قَوْلُهُ: (فَلْيَحْلِقْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ) يَعْنِي فِي الْحَجِّ (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُلَبِّدًا) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُهِلُّ مُلَبِّدًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ فِي الْبَابِ، وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ فَحَمَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ فَضَفَّرَ شَعْرَهُ لِيَمْنَعَهُ مِنَ الشَّعَثِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقَصِّرَ،