وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ وَسِيَاقِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرٌ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الْإِمَامِ وَقَالَ: إِنْ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ.
قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ) أَيْ وَقْتَ صَلَاةِ السُّبْحَةِ وَهِيَ النَّافِلَةُ، وَذَلِكَ إِذَا مَضَى وَقْتُ الْكَرَاهَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلطَبَرَانِيِّ وَذَلِكَ حِينَ تَسْبِيحِ الضُّحَى، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعِيدَ لَا تُصَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ جَوَازِ النَّافِلَةِ. وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا إِلَى الزَّوَالِ أَوْ لَا، وَاسْتَدَلَّ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ هَذَا، وَلَيْسَ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ بِظَاهِرَةٍ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ. وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ بِشَيْءٍ غَيْرِ التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ وَالْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَمِنْ لَازِمِهِ أَنْ لَا يُفْعَلَ قَبْلَهَا شَيْءٌ غَيْرُهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّبْكِيرَ إِلَيْهَا.
١١ - بَاب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أَيَّامُ الْعَشْرِ.
وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا، وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ
٩٦٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ العشر أَفْضَلَ مِنْ العمل فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ، هَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ؟ لَكِنْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا. وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ، أَيْ يُقَدِّدُونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ. ثَانِيهُمَا لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ فَصَارَتْ تَبَعًا لِيَوْمِ النَّحْرِ. قَالَ: وَهَذَا أَعْجَبُ الْقَوْلَيْنِ إِلَيَّ، وَأَظُنُّهُ أَرَادَ مَا حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؟ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ إِنَّمَا تُصَلَّى بَعْدَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ. وَعَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ السِّكِّيتِ قَالَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: أَشْرَقَ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، أَيْ نَدْفَعُ لِنَنْحَرَ. انْتَهَى.
وَأَظُنُّهُمْ أَخْرَجُوا يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ مَوْقُوفًا، وَمَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَذْهَبُ بِالتَّشْرِيقِ فِي هَذَا إِلَى التَّكْبِيرِ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ يَقُولُ: لَا تَكْبِيرَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ. قَالَ: وَهَذَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ، وَلَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا. انْتَهَى.
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ - أَيْ: قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ - فَلْيُعِدْ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الشَّعْبِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute