النَّاسِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ عَنِ هذا الظَّاهِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَبْقَى مَا عَدَاهَا فِي مَحَلِّ الْبَحْثِ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ بِالشَّكِّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأُولَى بِالْيَاءِ وَالثَّانِيَةِ بِالنُّونِ، وَهُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، فَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ بِلَفْظِ يُصَلِّي سَاوَى لَفْظَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ فِي الذَّبَائِحِ بِمِثْلِ لَفْظِ الْبَرَاءِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ سِيَاقُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ، فَإِنَّهُ سَاقَهُ عَلَى لَفْظِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَإِرَادَةَ وَقْتِهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ بِالنُّونِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ نَنْصَرِفَ سَوَاءٌ قُلْنَا مِنَ الصَّلَاةِ أَمْ مِنَ الْخُطْبَةِ. وَادَّعَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى أَيْ بَعْدَ أَنْ يَتَوَجَّهَ مِنْ مَكَانِ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ فِعْلِ هَذَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى، أَيْ لَا يَعْتَدَّ بِمَا ذَبَحَهُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ، فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا.
قَالَ: وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ: أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَى أَنْ يَذْبَحَ أَحَدٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَصْنَعُ أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَدْخُلُ بَعْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّأْخِيرُ إِلَى نَحْرِ الْإِمَامِ. وَيُؤَيِّدُ - مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ - أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَمْ يَنْحَرْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْقِطًا عَنِ النَّاسِ مَشْرُوعِيَّةَ النَّحْرِ، وَلَوْ أَنَّ الْإِمَامَ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ لَمْ يُجْزِئْهُ نَحْرُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ وَالنَّاسُ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا كُرِهَ الذَّبْحُ قَبْلَ الْإِمَامِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِالذَّبْحِ عَنِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلْتُ) أَيْ ذَبَحْتُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: نَسَكْتُ عَنِ ابْنٍ لِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.
قَوْلُهُ: (هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ) كَذَا وَقَعَ هُنَا بِالتَّثْنِيَةِ، وَهِيَ مُبَالَغَةٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: مِنْ مُسِنَّةٍ بِالْإِفْرَادِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَامِرٌ هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْهِ) كَذَا فِيهِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَفِيهِ ضَمُّ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ النَّسِيكَةَ، هِيَ الَّتِي أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَالْأُولَى لَمْ تُجْزِ عَنْهُ، لَكِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا نَسِيكَةً لِأَنَّهُ نَحَرَهَا عَلَى أَنَّهَا نَسِيكَةٌ أَوْ نَحَرَهَا فِي وَقْتِ النَّسِيكَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خَيْرَهُمَا لِأَنَّهَا أَجْزَأَتْ عَنِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَفِي الْأُولَى خَيْرٌ فِي الْجُمْلَةِ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ الْجَمِيلِ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: قَالَ ضَحِّ بِهَا فَإِنَّهَا خَيْرُ نَسِيكَةٍ وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي ابْنَ الْقَصَّارِ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِتَسْمِيَتِهَا نَسِيكَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَوْ ذُبِحَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الضَّعْفِ عَلَيْهِ.
١٣ - بَاب وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ
٥٥٦٤ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ: وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ قَرِيبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute