وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، أَلْفٍ فِي رَجَبٍ، وَأَلْفٍ فِي صَفَرٍ، وَمَعَ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ، وَسَاقَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ بَيْنَهُمْ مُطَوَّلًا. وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْعَاقِبَ رَجَعَا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَسْلَمَا، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأَتَيَاهُ فَقَالَا: لَا نُلَاعِنُكَ، وَلَكِنْ نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَ وَفِي قِصَّةِ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ إِقْرَارَ الْكَافِرِ بِالنُّبُوَّةِ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى يَلْتَزِمَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا جَوَازُ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ تَجِبُ إِذَا تَعَيَّنَتْ مَصْلَحَتُهُ. وَفِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ مُبَاهَلَةِ الْمُخَالِفِ إِذَا أَصَرَّ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجَّةِ. وَقَدْ دَعَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ الْأَوْزَاعِيُّ، وَوَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَمِمَّا عُرِفَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ مَنْ بَاهَلَ وَكَانَ مُبْطِلًا لَا تَمْضِي عَلَيْهِ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ الْمُبَاهَلَةِ. وَوَقَعَ لِي ذَلِكَ مَعَ شَخْصٍ كَانَ يَتَعَصَّبُ لِبَعْضِ الْمَلَاحِدَةِ، فَلَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا غَيْرَ شَهْرَيْنِ. وَفِيهَا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يُؤْخَذُ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ فِي كُلِّ عَامٍ. وَفِيهَا بَعْثُ الْإِمَامِ الرَّجُلَ الْعَالِمَ الْأَمِينَ إِلَى أَهْلِ الْهُدْنَةِ فِي مَصْلَحَةِ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ﵁.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَأْتِيَهُ بِصَدَقَاتِهِمْ وَجِزْيَتِهِمْ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ غَيْرُ قِصَّةِ أَبِي عُبَيْدَةَ؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ تَوَجَّهَ مَعَهُمْ فَقَبَضَ مَالَ الصُّلْحِ وَرَجَعَ، وَعَلِيٌّ أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْبِضُ مِنْهُمْ مَا اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ وَيَأْخُذُ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ سَبَبَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي عُبَيْدَةَ.
٧٣ - بَاب قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ
٤٣٨٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا (ثَلَاث)، فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي، قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا (ثَلَاثًا)، قَالَ: فَأَعْطَانِي، قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي، قَالَ: أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي؟ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ - قَالَهَا ثَلَاثًا - مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.
وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ) أَمَّا الْبَحْرَيْنِ فَبَلَدُ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ. وَأَمَّا عُمَانُ فَبِضَمِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute