سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِمَّنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَهُ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِرَادَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾، وَقَدْ بَيَّنَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبَبَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ وَأَشَارَتْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ
قَوْلُهُ: (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) أَيْ مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُوجِدًا لِمَا تُرِيدُ بِلَا تَأْخِيرٍ، مُنْزِلًا لِمَا تُحِبُّ وَتَخْتَارُ. وَقَوْلُهُ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ أَيْ تُؤَخِّرْهُنَّ بِغَيْرِ قَسْمٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ﴾ قَالَ: كُنَّ نِسَاءً وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَدَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ وَأَرْجَأَ بَعْضَهُنَّ لَمْ يَنْكِحْهُنَّ، وَهَذَا شَاذٌّ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِأَحَدٍ مِنَ الْوَاهِبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ﴾ أَنَّهُ كَانَ هَمَّ بِطَلَاقِ بَعْضِهِنَّ، فَقُلْنَ لَهُ لَا تُطَلِّقْنَا وَاقْسِمْ لَنَا مَا شِئْتَ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِبَعْضِهِنَّ قَسْمًا مُسْتَوِيًا، وَهُنَّ اللَّاتِي آوَاهُنَّ، وَيَقْسِمُ لِلْبَاقِي مَا شَاءَ وَهُنَّ اللَّاتِي أَرْجَأَهُنَّ. فَحَاصِلُ مَا نُقِلَ فِي تَأْوِيلِ (تُرْجِي) أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: تُطَلِّقُ وَتُمْسِكُ، ثَانِيهَا: تَعْتَزِلُ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَتَقْسِمُ لِغَيْرِهَا، ثَالِثُهَا: تَقْبَلُ مَنْ شِئْتَ مِنَ الْوَاهِبَاتِ وَتَرُدَّ مَنْ شِئْتَ. وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤَيِّدُ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَظَاهِرُ مَا حَكَتْهُ عَائِشَةُ مِنَ اسْتِئْذَانِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْجِ أَحَدًا مِنْهُنَّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَزِلْ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: مَا أَعْلَمُ أَنَّهُ أَرْجَأَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ كَيْفَ شَاءَ فَلَمْ يَقْسِمْ إِلَّا بِالسَّوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَأْذِنُ الْمَرْأَةَ فِي الْيَوْمِ) أَيِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ نَوْبَتُهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِمًا) وَصَلَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، وَرَوَيْنَاهُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى الْمَرْوَزِيِّ. (تَكْمِيلٌ): اخْتُلِفَ فِي الْمَنْفِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾ هَلِ الْمُرَادُ بَعْدَ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فَكَانَ يَحِلُّ لَهُ صِنْفٌ دُونَ صِنْفٍ؟ أَوْ بَعْدَ النِّسَاءِ الْمَوْجُودَاتِ عِنْدَ التَّخْيِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ، وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مُجَازَاةً لَهُنَّ عَلَى اخْتِيَارِهِنَّ إِيَّاهُ، نَعَمْ، الْوَاقِعُ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ بَعْدَ الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ مِثْلُهُ.
٨ - بَاب: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ يُقَالُ إِنَاهُ إِدْرَاكُهُ أَنَى يَأْنِي أَنَاةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute