قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ) أَيِ ابْنُ جَابِرِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ أَرَاشٍ، نُسِبُوا إِلَى أُمِّهِمْ بَجِيلَةَ، يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي سَنَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَوَهَمَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ ﷺ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا، وَكَانَ مَوْتُ جَرِيرٍ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ: بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيْ مَا مَنَعَنِي مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَمَا حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَقَالَ: كَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مُحَرَّمٍ بِغَيْرِ حِجَابٍ؟ ثُمَّ تَكَلَّفَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ مَجْلِسُهُ الْمُخْتَصُّ بِالرِّجَالِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِجَابِ مَنْعُ مَا يَطْلُبُهُ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: مَا حَجَبَنِي يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ مَعَ بُعْدِ إِرَادَةِ الْأَخِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي وَرَوَى أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَخْتُ ثُمَّ لَبِسْتُ حُلَّتِي فَدَخَلْتُ، فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ، فَقُلْتُ: هَلْ ذَكَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ، ﷺ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ذَكَرَكَ بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ. فَقَالَ: يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَيْسٍ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (ذُو الْخَلَصَةِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَحُكِيَ إِسْكَانُ اللَّامِ. وَقَوْلُهُ: الْيَمَانِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَحُكِيَ تَشْدِيدُهَا، وَقَوْلُهُ: أَوِ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ اسْتُشْكِلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ مَعَ شَرْحِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مَعَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةِ أَوِ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢٢ - بَاب ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْعَبْسِيِّ ﵁
٣٨٢٤ - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ مع أُخْرَاهمْ. فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ، فَنَادَى: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي، فَقَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ أَبِي: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ ﷿.
قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْعَبْسِيِّ) بِالْمُوَحَّدَةِ، وَاسْمُ الْيَمَانِ حِسْلٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِية ثُمَّ لَامٍ، ابْنُ جَابِرٍ، لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا هُزِمَ) (١) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ: وَأُخْرَاكُمْ أَيِ اقْبَلُوا أُخْرَاكُمْ أَوِ احْذَرُوا أُخْرَاكُمْ أَوِ انْصُرُوا أُخْرَاكُمْ، وَقَوْلُهُ: احْتَجِزُوا أَيِ انْفَصِلُوا مِنَ الْقِتَالِ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبِي) الْقَائِلُ هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، فعله عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ وَفَصَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَصَارَ مُرْسَلًا، وَقَوْلُهُ: مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا أَيْ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَيْ بِسَبَبِهَا، وَقَوْلُهُ: بَقِيَّةُ خَيْرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ فِعْلَ الْخَيْرِ تَعُودُ بَرَكَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي طُولِ حَيَاتِهِ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ ذِكْرُ جَرِيرٍ، وَحُذَيْفَةَ مُؤَخَّرًا عَنْ
(١) قال مصحح طبعة بولاق: هكذا بالنسخ، ورواية الصحيح الذي بايدينا "لما كان يوم احد هزم الخ"