الْحَدِيثِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَّةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ النَّاسَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ، وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ إِذَا كَانَ فِي تَزْيِينِ الْحَقِّ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ فُضَلَاءِ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي هَذَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ ذَمًّا لِلْبَيَانِ كُلِّهِ وَلَا مَدْحًا لِقَوْلِهِ مِنَ الْبَيَانِ، فَأَتَى بِلَفْظَةٍ مِنَ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ قَالَ: وَكَيْفَ يُذَمُّ الْبَيَانُ وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ حَيْثُ قَالَ: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَانِ فِي الْآيَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ، لَا خُصُوصَ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَدْحِ الْإِيجَازِ، وَالْإِتْيَانِ بِالْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ، وَعَلَى مَدْحِ الْإِطْنَابِ فِي مَقَامِ الْخَطَابَةِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْبَيَانِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي. نَعَمِ الْإِفْرَاطُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَذْمُومٌ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٢ - بَاب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ
٥٧٦٨ - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ، أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ ﵁، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَ تَمَرَاتٍ.
٥٧٦٩ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ، سَمِعْتُ سَعْدًا ﵁ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ) الْعَجْوَةُ: ضَرْبٌ مِنْ أَجْوَدِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ وَأَلْيَنِهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ مِنْ وَسَطِ التَّمْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْعَجْوَةُ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَكْبَرُ مِنَ الصَّيْحَانِيِّ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ، وَهُوَ مِمَّا غَرَسَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ بِالْمَدِينَةِ. وَذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الْقَزَّازُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ، وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، لَكِنْ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيِّ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ. وَجَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ اللَّبِقِيُّ، وَمَا عَرَفْتُ سَلَفَهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَرْوَانُ) هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (هَاشِمٌ) هُوَ ابْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَامِرُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ فِي الْبَابِ: سَمِعْتُ عَامِرًا سَمِعْتُ سَعْدًا وَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
قَوْلُهُ (مَنِ اصْطَبَحَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: مَنْ تَصَبَّحَ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ جُمْعَةَ، عَنْ مَرْوَانَ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّنَاوُلِ صَبَاحًا، وَأَصْلُ الصَّبُوحِ وَالِاصْطِبَاحِ تَنَاوُلُ الشَّرَابِ صُبْحًا، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْأَكْلِ، وَمُقَابِلُهُ الْغَبُوقُ وَالِاغْتِبَاقُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ; وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْغِذَاءِ أَعَمَّ مِنَ الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
صَبَحْنَا الْخَزْرَجِيَّةَ مُرْهَفَاتٍ
وَتَصَبَّحَ مُطَاوِعُ صَبَّحْتِهِ بِكَذَا إِذَا أَتَيْتَهُ بِهِ صَبَاحًا، فَكَأَنَّ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْعَجْوَةَ صَبَاحًا قَدْ أَتَى بِهَا، وَهُوَ مِثْلُ تَغَدَّى وَتَعَشَّى إِذَا وَقَعَ