الصَّوَابُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمَوَاقِيتِ: أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: صَلَاةَ الصُّبْحِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى صَلَاةَ الْغَدَاةِ. قَالَ عِيَاضٌ: مُرَادُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ غَايَةَ إِسْرَاعِهِ أَنَّ سُحُورَهُ لِقُرْبِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَكَادُ أَنْ يُدْرِكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِشِدَّةِ تَغْلِيسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالصُّبْحِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُزَاحِمُونَ بِالسُّحُورِ الْفَجْرَ فَيَخْتَصِرُونَ فِيهِ وَيَسْتَعْجِلُونَ خَوْفَ الْفَوَاتِ.
(تَنْبِيهٌ): قَالَ الْمِزِّيُّ: ذَكَرَ خَلَفٌ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّوْمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقُتَيْبَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَلَمْ نَجِدْهُ فِي الصَّحِيحِ وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ. قُلْتُ: وَرَأَيْتُ هُنَا بِخَطِّ الْقُطْبِ، وَمُغَلْطَايْ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ، وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ مَشْهُورٌ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ.
١٩ - بَاب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ
١٩٢١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵁ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً.
قَوْلُهُ: (بَابٌ قَدْرُ كَمْ بَيْنَ السُّحُورِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ) أَيِ: انْتِهَاءِ السُّحُورِ وَابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيرُ الزَّمَانِ الَّذِي تُرِكَ فِيهِ الْأَكْلُ، وَالْمُرَادُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ أَوَّلُ الشُّرُوعِ فِيهَا قَالَهُ الزِّيَنُ بْنُ الْمُنِيرِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) سَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ كَمْ) هُوَ مَقُولُ أَنَسٍ، وَالْمَقُولُ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَأَنَّ قَتَادَةَ أَيْضًا سَأَلَ أَنَسًا عَنْ ذَلِكَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ وَفِيهِ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: قُلْتُ لِزَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً) أَيْ: مُتَوَسِّطَةً لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً لَا سَرِيعَةً وَلَا بَطِيئَةً، وَقَدْرُ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ فِي جَوَابِ زَيْدٍ لَا فِي سُؤَالِ أَنَسٍ لِئَلَّا تَصِيرَ كَانَ وَاسْمُهَا مِنْ قَائِلٍ وَالْخَبَرُ مِنْ آخَرَ. قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ: فِيهِ تَقْدِيرُ الْأَوْقَاتِ بِأَعْمَالِ الْبَدَنِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُقَدِّرُ الْأَوْقَاتَ بِالْأَعْمَالِ كَقَوْلِهِمْ: قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ، وَقَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ، فَعَدَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ إِلَى التَّقْدِيرِ بِالْقِرَاءَةِ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ وَقْتَ الْعِبَادَةِ بِالتِّلَاوَةِ، وَلَوْ كَانُوا يُقَدِّرُونَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ لَقَالَ مَثَلًا: قَدْرَ دَرَجَةٍ، أَوْ ثُلُثِ خُمُسِ سَاعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوْقَاتِهُمْ كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالْعِبَادَةِ. وَفِيهِ تَأْخِيرُ السُّحُورِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ. قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: كَانَ ﷺ يَنْظُرُ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِأُمَّتِهِ فَيَفْعَلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَسَحَّرْ لَاتَّبَعُوهُ فَيَشُقُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَلَوْ تَسَحَّرَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَشَقَّ أَيْضًا عَلَى بَعْضِهِمْ مِمَّنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ النَّوْمُ فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الصُّبْحِ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُجَاهَدَةِ بِالسَّهَرِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا تَقْوِيَةٌ عَلَى الصِّيَامِ لِعُمُومِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الطَّعَامِ وَلَوْ تُرِكَ لَشَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ صَفْرَاوِيًّا فَقَدْ يُغْشَى عَلَيْهِ فَيُفْضِي إِلَى الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ.
قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ تَأْنِيسُ الْفَاضِلِ أَصْحَابَهُ بِالْمُؤَاكَلَةِ، وَجَوَازُ الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مَا كَانَ يَبِيتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. وَفِيهِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى السُّحُورِ، وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ فِي الْعِبَارَةِ لِقَوْلِهِ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَقُلْ نَحْنُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَا يُشْعِرُ لَفْظُ الْمَعِيَّةِ بِالتَّبَعِيَّةِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَرَاغَ مِنَ السُّحُورِ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ