الْقَوْمِ وَجَعَلَ يَنْظُرُ، وَفِينَا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ فِي الظَّهْرِ، إِذْ خَرَجَ يَشْتَدُّ.
قَوْلُهُ: (اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ) زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ، عنْ أَبِي الْعُمَيْسِ: أَدْرِكُوهُ؛ فَإِنَّهُ عَيْنٌ زَادَ أَبُو دَاوُدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِيهِ: فَسَبَقْتُهُمْ إِلَيْهِ فَقَتَلْتُهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَلَهُ سَلَبَهُ) كَذَا فِيهِ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ: فَنَفَلَنِي وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ، وَزَادَ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الْمَذْكُورِ: فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ عَلَى نَاقَةٍ وَرْقَاءَ، فَخَرَجْتُ أَعْدُو حَتَّى أَخَذْتُ بِخِطَامِ الْجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رُكْبَتَهُ بِالْأَرْضِ اخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَأَضْرِبُ رَأْسَهُ، فَبَدَرَ، فَجِئْتُ بِرَاحِلَتِهِ وَمَا عَلَيْهَا أَقُودُهَا، فَاسْتَقْبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ قَالُوا: ابْنُ الْأَكْوَعِ، قَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ قَتْلُ عُيُونِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ الْبَاعِثُ عَلَى قَتْلِهِ، وَأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَادَرَ لِيُعْلِمَ أَصْحَابَهُ فَيَغْتَنِمُونَ غِرَّتَهُمْ، وَكَانَ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ، وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الْمُعَاهِدُ وَالذِّمِّيُّ فَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا.
وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ السَّلَبَ كُلَّهُ لِلْقَاتِلِ، وَأَجَابَ مَنْ قَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ إِلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ لَهُمَا، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ بِلَفْظِ: قَامَ رَجُلٌ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَلَنِي سَلَبَهُ.
فَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ، بَلْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ قَالَ: الْقَاتِلُ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ مَزِيدُ فَائِدَةٍ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحُكْمُ إِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ حِينِئِذٍ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ عَامٌّ فِي كُلِّ غَنِيمَةٍ، فَبَيَّنَ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، سَوَاءٌ قَيَّدْنَا ذَلِكَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَمْ لَا، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا الْحُكْمِ كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَهُوَ مَرْدُودٌ لَكِنْ عَلَى غَيْرِ مَالِكٍ مِمَّنْ مَنَعَهُ؛ فَإِنَّ مَالِكًا إِنَّمَا نَفَى الْبَلَاغَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَكَانَتْ مُؤْتَةُ قَبْلَ حُنَيْنٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفِلَ جَمِيعَ مَا أَخَذَتْهُ السَّرِيَّةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ لِمَنْ يَرَاهُ مِنْهُمْ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً إِلَّا ذَلِكَ السَّلَبُ. قُلْتُ: وَمَا أَبَدَاهُ احْتِمَالًا هُوَ الْوَاقِعُ، فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَقَدِ اشْتُهِرَ مَا وَقَعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْغَنَائِمِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: تَرْجَمَ بِالْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ بِغَيْرِ أمَانٍ، وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ جَاسُوسُهُمْ، وَحُكْمُ الْجَاسُوسِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحَرْبِيِّ الْمُطْلَقِ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَالدَّعْوَى أَعَمُّ مِنَ الدَّلِيلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَاسُوسَ الْمَذْكُورَ أَوْهَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ التَّجسِيسِ انْطَلَقَ مُسْرِعًا، فَفَطِنَ لَهُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ.
١٧٤ - بَاب يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسْتَرَقُّونَ
٣٠٥٢ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ ﵁ قَالَ: وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute