الْمَاضِيَةِ: وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ وَقَوْلُهُ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا إِلَخْ. بَعْدَ قَوْلِهِ: كُلْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ رَدِّهَا بَعْدَ أَكْلِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا إِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ.
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، فَأَمَرَ بِأَدَائِهَا إِلَيْهِ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا وَبَعْدَهُ، وَهِيَ أَقْوَى حُجَّةٍ لِلْجُمْهُورِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعْتَهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا عَرَفْتَ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا أَمْكَنَ حَمْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ: فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا أَيْ فِي إِبَاحَةِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حِينَئِذٍ، وَأَمَّا أَمْرُ ضَمَانِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ أَخَذَهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّمَلُّكِ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِعَيْنِهَا اسْتَحَقَّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَمَهْمَا تَلِفَ مِنْهَا لَزِمَ الْمُلْتَقِطَ غَرَامَتُهُ لِلْمَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ فَوَائِدِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٥ - بَاب إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ
٢٤٣٠ - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ - وَسَاقَ الْحَدِيثَ - فَخَرَجَ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ) أَيْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ، هَلْ يَأْخُذُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ؟ وَإِذَا أَخَذَهُ هَلْ يَتَمَلَّكُهُ أَوْ يَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ اللُّقَطَةِ؟ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْكَفَالَةِ، وَأَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَسَبَقَ تَوْجِيهُ اسْتِنْبَاطِ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ وَأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا سَاقَهُ الشَّارِعُ مَسَاقَ الثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ، فَبِهَذَا التَّقْدِيرِ تَمَّ الْمُرَادُ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْخَشَبَةِ مِنَ الْبَحْرِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ. وَأَمَّا السَّوْطُ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَقَعْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْبَابِ، فَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتَنْبَطَهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ.
وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالسَّوْطِ إِلَى أَثَرٍ يَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَوْ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي التَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ أَصْلًا، وَقِيلَ: تُعَرَّفُ مَرَّةً وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ: زَمَنًا يَظُنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَلِيلٍ لَهُ قِيمَةٌ أَمَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ فَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فِي حَدِيثِ التَّمْرَةِ حُجَّةٌ لِذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute