قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ، وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَلِتَأَسُّفِ عُمَرُ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ لِتَظْهَرَ فَضِيلَتُهُ، فَاسْتَلْزَمَ حَيَاءُ ابْنِ عُمَرَ تَفْوِيتَ ذَلِكَ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ إِذَا اسْتَحْيَى إِجْلَالًا لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ سِرًّا لِيُخْبِرَ بِهِ عَنْهُ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ ; وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِبَابِ مَنِ اسْتَحْيَى فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ.
٥١ - بَاب مَنْ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ
١٣٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الْثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ.
[الحديث أطرافه في: ٢٦٩، ١٧٨]
وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَهُوَ بِتَثْقِيلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ، وَهُوَ بِإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ: الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الرَّجُلِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ أَيْضًا. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ، وَهُوَ خَطَأٌ، فَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ وَعَلِيٌّ حَاضِرُ.
٥٢ - باب ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْمَسْجِدِ
١٣٣ - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
[الحديث ١٣٣ - أطرافه في: ٧٣٣٤، ١٥٢٨، ١٥٢٧، ١٥٢٥، ١٥٢٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ الْعِلْمِ) أَيْ: إِلْقَاءِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ لِمَا يَقَعُ فِي الْمُبَاحَثَةِ مِنْ رَفْعِ الْأَصْوَاتِ فَنَبَّهَ عَلَى الْجَوَازِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ ﷺ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ كَانَ قَبْلَ السَّفَرِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَرْنٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَغَلِطَ مَنْ فَتَحَهَا. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ. . . إِلَخْ يُفَسَّرُ بِمَنْ رَوَى الْحَدِيثَ تَامًّا كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِطْلَاقِ الزَّعْمِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهُ لِقَوْلِهِ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ أَيَ: الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ فَصَارَ يَرْوِيهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ تَحَرِّيهِ وَوَرَعِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.