وَقَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُسْهَمُ لَهُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَالشَّعْبِيِّ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذْ لَمْ يُرِدْ هُنَا صِيغَةَ عُمُومٍ، وَاسْتَدَلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا وَسَيَأْتِي فِي مَكَانِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ حَضٌّ عَلَى اكْتِسَابِ الْخَيْلِ وَاتِّخَاذِهَا لِلْغَزْوِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِعْظَامِ الشَّوْكَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى الْغَزْوِ وَمَعَهُ فَرَسٌ فَمَاتَ قَبْلَ حُضُورِ الْقِتَالِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَرَسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَاقُونَ: لَا يُسْهَمُ لَهُ إِلَّا إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ، فَلَوْ مَاتَ الْفَرَسُ فِي الْحَرْبِ اسْتَحَقَّ صَاحِبُهُ وَإِنْ مَاتَ صَاحِبُهُ اسْتَمَرَّ اسْتِحْقَاقُهُ وَهُوَ لِلْوَرَثَةِ. وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ وَصَلَ إِلَى مَوْضِعِ الْقِتَالِ فَبَاعَ فَرَسَهُ: يُسْهَمُ لَهُ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ مِمَّا غَنِمُوا قَبْلَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي مِمَّا بَعْدَهُ، وَمَا اشْتَبَهَ قُسِّمَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ رَاجِلًا لَا يُقْسَمُ لَهُ إِلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَوِ اشْتَرَى فَرَسًا وَقَاتَلَ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي غُزَاةِ الْبَحْرِ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: يُسْهَمُ لَهُ.
(تَكْمِيلٌ):
هَذَا الْحَدِيثُ يَذْكُرُهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي مَسَائِلِ الْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيمَاءِ، أَيْ إِذَا اقْتَرَنَ الْحُكْمُ بِوَصْفِ لَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِلتَّعْلِيلِ لَمْ يَقَعْ الِاقْتِرَانُ، فَلَمَّا جَاءَ سِيَاقٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ ﷺ أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا دَلَّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ.
٥٢ - بَاب مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ
٢٨٦٤ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ فاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَفِرَّ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ.
[الحديث ٢٨٦٤ - أطرافه في: ٢٨٧٤، ٢٩٣٠، ٣٠٤٢، ٤٣١٥، ٤٣١٦، ٤٣١٧]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً الْحَدِيثَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: وَأَبُو سُفْيَانَ - وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - آخَذَ بِلِجَامِهَا وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ مِنْ كَتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٥٣ - بَاب الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ للدَّابَّةِ
٢٨٦٥ - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ لِلدَّابَّةِ) قِيلَ: الرِّكَابُ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ، وَالْغَرْزُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْجِلْدِ، وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ، أَوِ الْغَرْزُ لِلْجَمَلِ وَالرِّكَابُ لِلْفَرَسِ.
وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ أَهَلَّ الْحَدِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ مِنَ الْغَرْزِ، وَأَمَّا الرِّكَابُ فَأَلْحَقَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَقَالَ ابْنُ