للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَعْلَمُ جَوَازَهُ أَنْ يُوَضِّحَ لَهُمْ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَطُولَ الْأَمْرُ فَيُظَنُّ تَحْرِيمُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَشِيَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ لِلْإِعْلَامِ بِالْحُكْمِ وَلَوْ لَمْ يُسْأَلْ، فَإِنْ سُئِلَ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَرِهَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا لَا يُشْهِرُه بِاسْمِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ بَلْ يُكَنِّي عَنْهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ سَمِعَ مِنْ سُفْيَانَ، الثَّوْرِيِّ وَمِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَوَى عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا. قُلْتُ: لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِيهِمَا هُنَا عَلَى السَّوَاءِ، فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ مَشْهُورٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الثَّوْرِيِّ مَعْرُوفٌ بِمُلَازَمَتِهِ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَلِيلَةٌ، وَإِذَا أَطْلَقَ اسْمَ شَيْخِهِ حُمِلَ عَلَى مَنْ هُوَ أَشْهَرُ بِصُحْبَتِهِ وَرِوَايَتُهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، وَلِهَذَا جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ سُفْيَانَ هَذَا هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَلِلْخَطِيبِ فِيهِ تَصْنِيفٌ سَمَّاهُ الْمُكْمِلِ لِبَيَانِ الْمُهْمَلِ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ، الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، لَكِنْ خُصُوصُ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِيهِ إِنَّمَا هِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (شَرِبَ النَّبِيُّ قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ - أَيْ عَاصِمٌ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ، فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا كَانَ حِينَئِذٍ إِلَّا رَاكِبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ ثُمَّ أَنَاخَهُ بَعْدَ طَوَافِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ حِينَئِذٍ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إِلَى بَعِيرِهِ وَيَخْرُجَ إِلَى الصَّفَا، بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمْدَةَ عِكْرِمَةَ فِي إِنْكَارِ كَوْنِهِ شَرِبَ قَائِمًا إِنَّمَا هُوَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَخَرَجَ إِلَى الصَّفَّا عَلَى بَعِيرِهِ، وَسَعَى كَذَلِكَ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بَيْنَ ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا عَلَى الْأَرْضِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهِ شَرِبَ حِينَئِذٍ مِنْ سِقَايَةِ زَمْزَمَ قَائِمًا كَمَا حَفِظَهُ الشَّعْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟

١٧ - بَاب مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ

٥٦١٨ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأَخَذَه بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ. زَادَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ: عَلَى بَعِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا عَلَى الشُّرْبِ قَائِمًا؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ عَلَى الْبَعِيرِ قَاعِدٌ غَيْرُ قَائِمٍ، كَذَا قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ حُكْمَ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ أَوْ لَا وَإِيرَادُهُ الْحَدِيثَ مِنْ فِعْلِهِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الصُّورَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَكَأَنَّهُ لَمَّحَ بِمَا قَالَ عِكْرِمَةُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ شَرِبَ قَائِمًا إِنَّمَا أَرَادَ وَهُوَ رَاكِبٌ وَالرَّاكِبُ يُشْبِهُ الْقَائِمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ سَائِرًا، وَيُشْبِهُ الْقَاعِدَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مُسْتَقِرًّا عَلَى الدَّابَّةِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ الْكُوفِيُّ، مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: زَادَ مَالِكٌ إِلَخْ هُوَ ابْنُ أَنَسٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَالِكًا تَابَعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى