فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قَالَ: أَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ.
قَوْلُهُ (بَابُ تَسْتَحِدُّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطُ الشَّعِثَةُ) ضَبْطُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرَ أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
١٢٣ - بَاب ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾
٥٢٤٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ - وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ - فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَتْ فَاطِمَةُ ﵍ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَلِيٌّ يَأْتِي بِالْمَاءِ عَلَى تُرْسِهِ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَحُرِّقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ.
قَوْلُهُ (بَابُ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَى قَوْلِهِ: عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ تَظْهَرُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ.
قَوْلُهُ (سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ.
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرَ الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ (اخْتَلَفَ النَّاسُ إِلَخْ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَ أَحْوَالَ النَّبِيِّ ﷺ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي مِثْلِ هَذَا، فَإِنَّ الَّذِي يُدَاوَى بِهِ الْجُرْحُ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ إِذَا كَانَ طَاهِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَرَدَّدُوا فِيهِ حَتَّى سَأَلُوا مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ) فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ وَبِغَيْرِ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَكَانَ بِهَا فِي آخِرِ حَيَاةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ لَبِيدٍ، وَكِلَاهُمَا لَهُ رُؤْيَةٌ وَعَدٌّ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ثَبَتَ سَمَاعُهُمْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فَمَا كَانَ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ حِينَئِذٍ إِلَّا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرُهُ بِغَيْرِهَا، وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ.
قَوْلُهُ (مَا بَقِيَ لِلنَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ بَقِيَ مِثْلُهُ، وَلَكِنْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي نَفْيِ الْمِثْلِ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا كَوْنُ فَاطِمَةَ ﵍ بَاشَرَتْ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهَا ﷺ، فَيُطَابِقُ الْآيَةَ وَهِيَ جَوَازُ إِبْدَاءِ الْمَرْأَةِ زِينَتَهَا لِأَبِيهَا وَسَائِرِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ. وَقَدِ اسْتَشْكَلَ مُغَلْطَايْ الِاحْتِجَاجَ بِقِصَّةِ فَاطِمَةَ هَذِهِ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ قَبْلَ الْحِجَابِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّمَسُّكَ مِنْهَا بِالِاسْتِصْحَابِ، وَنُزُولُ الْآيَةِ كَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ مُطَابِقًا. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ الْعَمَّ وَالْخَالَ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَكَرِهِمَا بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْأَبِ وَالْخَالَ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُمَا يَنْعَتَانِهَا لِوَلَدَيْهِمَا، قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَكَرِهَا لِذَلِكَ أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ عَمِّهَا وَخَالِهَا، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا