وَمَا بَعْدَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ كَمَا قَالَ ابنُ بَطَّالٍ، وَزَادَ: وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْحَجُّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الْمَأْمُورُ بِهِ غَيْرُ نَزْعِ الثَّوْبِ وَغَسْلِ الْخَلُوقِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِهِمَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْفِدْيَةُ.
كَذَا قَالَ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْحَصْرِ، بَلِ الَّذِي تَبَيَّنَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْغَسْلُ وَالنَّزْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ عَطَاءٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ صَانِعًا فِي حَجِّكَ؟ قَالَ: أَنْزِعُ عَنِّي هَذِهِ الثِّيَابَ وَأَغْسِلُ عَنِّي هَذَا الْخَلُوقَ. فَقَالَ: مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ) الْقَائِلُ هُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ، لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ، وَأَنَّهُ ﷺ أَعَادَ لَفْظَةَ اغْسِلْهُ مَرَّةً ثُمَّ مَرَّةً عَلَى عَادَتِهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثا لِتُفْهَمَ عَنْهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْخَلُوقَ كَانَ عَلَى الثَّوْبِ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مُتَضَمِّخًا. وَقَوْلُهُ لَهُ: اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ، يُوَضِّحُ أَنَّ الطِّيبَ لَمْ يَكُنْ فِي ثَوْبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْجُبَّةِ لَكَانَ فِي نَزْعِهَا كِفَايَةٌ مِنْ جِهَةِ الْإِحْرَامِ اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَى عَادَتِهِ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ، وَسَيَأْتِي فِي محُرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ: عَلَيْهِ قَمِيصٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ. وَالْخَلُوقُ فِي الْعَادَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الثَّوْبِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ بِلَفْظِ: رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ جُبَّةٌ عَلَيْهَا أَثَرُ خَلُوقٍ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَنْصُورٌ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْرَمْتُ وَعَلَيَّ جُبَّتِي هَذِهِ. وَعَلَى جُبَّتِهِ رَدْغٌ مِنْ خَلُوقٍ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَقَالَ: اخْلَعْ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسلْ هَذَا الزَّعْفَرَانَ.
وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ يَعْلَى عَلَى مَنْعِ اسْتِدَامَةِ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ أَثَرِهِ مِنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ قِصَّةَ يَعْلَى كَانَتْ بِالْجِعِرَّانَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بِلَا خِلَافٍ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا طَيَّبَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيْهَا عِنْدَ إِحْرَامِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنَ الْأَمْرِ، وَبِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِغَسْلِهِ فِي قِصَّةِ يَعْلَى إِنَّمَا هُوَ الْخَلُوقُ لَا مُطْلَقُ الطِّيبِ، فَلَعَلَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ فِيهِ مَا خَالَطَهُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ. وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ تَزَعْفُرِ الرَّجُلِ مُطْلَقًا مُحْرِمًا وَغَيْرَ مُحْرِمٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي قَرِيبًا: وَلَا يَلْبَسُ - أَيِ الْمُحْرِمُ - مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَعْفَرَان. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي أَيْضًا: وَلَمْ يَنْهَ إِلَّا عَنِ الثِّيَابِ الْمُزَعْفَرَةِ. وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي ذَلِكَ في الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ طِيبٌ فِي إِحْرَامِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ عَلِمَ فَبَادَرَ إِلَى إِزَالَتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: يَجِبُ مُطْلَقًا، وَعَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا صَارَ عَلَيْهِ الْمَخِيطُ نَزَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَمْزِيقُهُ وَلَا شَقُّهُ خِلَافًا لِلنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ؛ حَيْثُ قَالَا: لَا يَنْزِعُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُغَطِّيًا لِرَأْسِهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا.
وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ، وَكَذَا عَنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي قِلَابَةَ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، فَخَلَعَهَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ. وَعَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ وَالْحَاكِمَ إِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْحُكْمَ يُمْسِكُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ، وَعَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ بِالْوَحْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُتْلَى، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمْ بِالِاجْتِهَادِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرْهُ الْوَحْيُ.
١٨ - بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute