ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ: فَحَامِلُ الْقُرْآنِ شُبِّهَ بِصَاحِبِ النَّاقَةِ، وَالْقُرْآنُ بِالنَّاقَةِ، وَالْحِفْظُ بِالرَّبْطِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَالنَّاقَةِ مُنَاسَبَةٌ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ، لَكِنْ وَقَعَ التَّشْبِيهُ فِي الْمَعْنَى. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْحَضُّ عَلَى مُحَافَظَةِ الْقُرْآنِ بِدَوَامِ دِرَاسَتِهِ وَتَكْرَارِ تِلَاوَتِهِ، وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِإِيضَاحِ الْمَقَاصِدِ، وَفِي الْأَخِيرِ الْقَسَمُ عِنْدَ الْخَبَرِ الْمَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ مُبَالَغَةً فِي تَثْبِيتِهِ فِي صُدُورِ سَامِعِيهِ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً لِمَنْ قَالَ فِيمَنِ ادُّعِيَ عَلَيْهِ بِمَالٍ فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَقَالَ: كُنْتُ نَسِيتُ، أَوِ ادَّعَى بَيِّنَةً أَوْ إِبْرَاءً، أَوِ الْتَمَسَ يَمِينَ الْمُدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لَهُ وَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ، كَذَا قَالَ.
٢٤ - باب الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
٥٠٣٤ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ) أَيْ لِرَاكِبِهَا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ سُنَّةً مَوْجُودَةً، وَأَصْلُ هَذِهِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ الْآيَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ، وَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ.
٢٥ - بَاب تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ
٥٠٣٥ - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ.
[الحديث ٥٠٣٥ - طرفه في: ٥٠٣٦]
٥٠٣٦ - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا الْمُحْكَمُ؟ قَالَ: الْمُفَصَّلُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ) كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَتْ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُمَا، وَلَفْظُ إِبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعَلِّمُوا الْغُلَامَ الْقُرْآنَ حَتَّى يَعْقِلَ وَكَلَامُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ حُصُولِ الْمَلَالِ لَهُ، وَلَفْظُهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ يَقْرَأُ الصَّبِيُّ بَعْدَ حِينٍ وَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَدَّمَ غُلَامًا صَغِيرًا، فَعَابُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا قَدَّمْتُهُ، وَلَكِنْ قَدَّمَهُ الْقُرْآنُ. وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَدْعَى إِلَى ثُبُوتِهِ وَرُسُوخِهِ عِنْدَهُ، كَمَا يُقَالُ: التَّعَلُّمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ. وَكَلَامُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتْرَكَ الصَّبِيُّ أَوَّلًا مُرَفَّهًا ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute