وَثَبَتَتْ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَقَوْلُهُ مِثْلَهُ الضَّمِيرُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ سِيَاقَ جَرِيرٍ مُسَاوٍ لِسِيَاقِ شُعْبَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَقْرُونًا بِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنْ جَرِيرٍ وَلَفْظُهُ مُسَاوٍ لِلَفْظِ شُعْبَةَ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: اسْتَذْكِرُوا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَقَالَ: فَلَهُوَ أَشَدُّ بَدَلَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: مِنْ عُقُلِهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْهُ بِلَفْظِ: بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ - أَوْ لِأَحَدِهِمْ - أَنْ يَقُولَ: إِنِّي نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَلْ هُوَ نُسِّيَ، وَيَقُولُ: اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ إِلَخْ وَكَذَا ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ بِشْرٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ) يُرِيدُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ تَابَعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَرْعَرَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ شُعْبَةَ، وَبِشْرٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، قَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَنِسْبَةُ الْمُتَابَعَةِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةٌ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَيُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عَرْعَرَةَ، وَابْنَ الْمُبَارَكِ انْفَرَدَا بِذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ وَقَدْ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنْ شَقِيقٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ) أَمَّا عَبْدَةُ فَهُوَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ بِضَمِّ اللَّامِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا، وَشَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الْمُتَابَعَةُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ بَلْ هُوَ نُسِّيَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدَةَ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْمُتَابَعَةِ دَفْعَ تَعْلِيلِ مَنْ أَعَلَّ الْخَبَرَ بِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ لَهُ عَنْ مَنْصُورٍ مَوْقُوفَةً عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وَعَاصِمٍ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا مَوْقُوفَيْنِ، وَكَذَا رَوَاهُمَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ. وَأَمَّا ابْنُ عُيَيْنَةَ فَأَسْنَدَ الْأَوَّلَ وَوَقَفَ الثَّانِي، قَالَ: وَرَفَعَهُمَا جَمِيعًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. قُلْتُ: وَرِوَايَةُ عُبَيْدَةَ أَخْرَجَهَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ.
وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ سَتَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا مَرْفُوعًا لَكِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ تَصْرِيحُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَذَلِكَ يُقَوِّي رِوَايَةَ مَنْ رَفَعَهُ عَنْ مَنْصُورٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الحديث الثالث:
قَوْلُهُ: (عَنْ بُرَيْدٍ) بِالْمُوَحَّدَةِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَشَيْخُهُ أَبُو بُرْدَةَ هُوَ جَدُّهُ الْمَذْكُورُ، وَأَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي عُقُلِهَا) بِضَمَّتَيْنِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الْقَافِ جَمْعُ عِقَالٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهُ وَهُوَ الْحَبْلُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ عُقُلِهَا وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ عُلُلِهَا بِلَامَيْنِ؛ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، بَلْ هِيَ تَصْحِيفٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِعُقُلِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَنْ رَوَاهُ مِنْ عُقُلِهَا فَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّعَدِّي مِنْ لَفْظِ التَّفَلُّتِ، وَأَمَّا مَنْ رَوَاهُ بِالْبَاءِ أَوْ بِالْفَاءِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ، وَالْحَاصِلُ تَشْبِيهُ مَنْ يَتَفَلَّتُ مِنْهُ الْقُرْآنُ بِالنَّاقَةِ الَّتِي تَفَلَّتَتْ مِنْ عِقَالِهَا وَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، كَذَا قَالَ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute