للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا، وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ فَاسِقٌ وَالثَّانِي مَجْنُونٌ وَالثَّالِثِ أَبْلَهُ. قَالَ: وَقَوْلُهُ الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ، أَيْ: أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خَوْفُ الذَّمِّ بِنِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَيْهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ كَانَ فِي مُحَرَّمٍ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَكْرُوهٍ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مُبَاحٍ فَهُوَ الْعُرْفِيُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ. وَيَجْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاحَ إِنَّمَا هُوَ مَا يَقَعُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: رَأَيْتُ الْمَعَاصِيَ مَذَلَّةً، فَتَرَكْتُهَا مُرُوءَةً، فَصَارَتْ دِيَانَةً. وَقَدْ يَتَوَلَّدُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ التَّقَلُّبِ فِي نِعَمِهِ فَيَسْتَحِيي الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: خَفِ اللَّهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ. وَاسْتَحي مِنْهُ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٧ - بَاب ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾

٢٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (بَابٌ) هُوَ مُنَوَّنٌ فِي الرِّوَايَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: هَذَا بَابٌ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾، وَتَجُوزُ الْإِضَافَةِ أَيْ: بَابُ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَدِيثُ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ الرُّجُوعُ عَنِ الْكُفْرِ إِلَى التَّوْحِيدِ، فَفَسَّرَهُ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَبَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى ; لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْآيَةِ وَالْعِصْمَةَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِأَبْوَابِ الْإِيمَانِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْأَعْمَالِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) زَادَ ابْنُ عَسَاكِرَ الْمُسْنَدِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ كَمَا مَضَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ، هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ.

قَوْلُهُ: (الْحَرَمِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَلِلْأَصِيلِيِّ حَرَمِيٌّ، وَهُوَ اسْمٌ بِلَفْظِ النَّسَبِ تُثْبَتُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَتُحْذَفُ، مِثْلُ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْآتِي بَعْدُ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَبُو رَوْحٍ كُنْيَتُهُ، وَاسْمُهُ ثَابِتٌ وَالْحَرَمِيُّ نِسْبَتُهُ، كَذَا قَالَ. وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي جَعْلِهِ اسْمَهُ نِسْبَتَهُ، وَالثَّانِي فِي جَعْلِهِ اسْمَ جَدِّهِ اسْمَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَاسْمُ أَبِي حَفْصَةَ نَابِتٌ (١)، وَكَأَنَّهُ رَأَى فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَاسْمُهُ نَابِتٌ فَظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى حَرَمِيٍّ لِأَنَّهُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أَبِي حَفْصَةَ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وُرُودُهُ فِي هَذَا السَّنَدِ الْحَرَمِيُّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلَيْسَ هُوَ مَنْسُوبًا إِلَى الْحَرَمِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ وَالْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ وَالْمَسْكَنِ وَالْوَفَاةِ. وَلَمْ يَضْبِطْ نَابِتًا كَعَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ كَالْجَادَّةِ (٢) وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَوَّلَهُ نُونٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ) زَادَ الْأَصِيلِيُّ: يَعْنِي ابْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ، وَهُوَ كَثِيرٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ الشَّخْصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَقَلُّ، وَوَاقِدٌ هُنَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّ أَبِيهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبُ الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدٍ، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَهُوَ عَنْ شُعْبَةَ عَزِيزٌ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ حَرَمِيٌّ هَذَا وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَهُوَ عَزِيزٌ عَنْ حَرَمِيٍّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ الْمُسْنَدِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، وَمِنْ جِهَةِ إِبْرَاهِيمَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ غَرِيبٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ


(١) هو بالنون، وهواسم جد حرمى، وقد بين الحافظ هنا أنه بالنون. وانظر تهذيب التهذيب ٢٣٢: ٢.
(٢) كذا