أَيْ يَأْتِيَ بِأَلْفَاظِهِ شَفْعًا. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَصْفُ الْأَذَانِ بِأَنَّهُ شَفْعٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: مَثْنَى مَثْنَى أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَسْتَوِيَ جَمِيعُ أَلْفَاظِهِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي فِي آخِرِهِ مُفْرَدَةٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ مَثْنَى عَلَى مَا سِوَاهَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَ مَذْهَبِهِ فِي تَرْكِ تَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهِ، لَكِنْ لِمَنْ قَالَ بِالتَّرْبِيعِ أَنْ يَدَّعِيَ نَظِيرَ مَا ادَّعَاهُ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِقَامَةِ تَوْجِيهٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ.
قَوْله: (وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ إِلَّا الْإِقَامَةَ) الْمُرَادُ بِالْمَنْفِيِّ غَيْرُ الْمُرَادِ بِالْمُثْبَتِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُثْبَتِ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ الْمَشْرُوعَةِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفِيِّ خُصُوصُ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا. وَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ جِنَاسٌ تَامٌّ.
(تَنْبِيهٌ): ادَّعَى ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا الْإِقَامَةَ مِنْ قَوْلِ أَيُّوبَ غَيْرَ مُسْنَدٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ هَذِهِ إِدْرَاجًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ: قَوْلُهُ إِلَّا الْإِقَامَةَ هُوَ مِنْ قَوْلِ أَيُّوبَ وَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ. وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ بِسَنَدِهِ مُتَّصِلًا بِالْخَبَرِ مُفَسَّرًا وَلَفْظُهُ: كَانَ بِلَالٌ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ، إِلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ وَكَذَا هُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ فِي الْخَبَرِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَا دَلِيلَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهَا أَنَّ خَالِدًا كَانَ لَا يَذْكُرُ الزِّيَادَةَ وَكَانَ أَيُّوبُ يَذْكُرُهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فَكَانَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ فَتُقْبَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ التَّكْبِيرِ فِي الْإِقَامَةِ، وَأَجَابَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِقَامَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَانِ إِفْرَادٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ. قُلْتُ: وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ لَا فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي آخِرِهِ. وَعَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنَ اللَّتَيْنِ فِي آخِرِهِ بِنَفَسٍ، وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ تَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَثْنِيَتِهِ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الشَّفْعِ يَتَنَاوَلُ التَّثْنِيَةَ وَالتَّرْبِيعَ، فَلَيْسَ فِي لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا يُوهِمُهُ كَلَ مُ ابْنِ بَطَّالٍ. وَأَمَّا التَّرْجِيحُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ فَالْأَصَحُّ فِي صُورَتِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ بِالرِّسَالَةِ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَشْهَدُ كَذَلِكَ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَدَدِ مُرَبِّعًا فَهُوَ فِي الصُّورَةِ مَثْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَهْمَلَهُ الْبَاقُونَ.
قَوْله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ) فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ أَخْبَرَنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَنَا وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الثَّقَفِيُّ.
قَوْله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالْأَصِيلِيِّ، وَلِغَيْرِهِمَا أَخْبَرَنَا.
قَوْله: (قَالَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ، قَالَ ذَكَرُوا) قَالَ: الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ، ذُكِرَتْ تَأْكِيدًا. قَوْله: (أَنْ يُعْلَمُوا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِعْلَامِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الْعِلْمِ.
قَوْله: (أَنْ يُورُوا نَارًا) أَيْ يُوقِدُوهَا، يُقَالُ: وَرَى الزَّنْدُ إِذَا خَرَجَتْ نَارُهُ، وَأَوْرَيْتُهُ إِذَا أَخْرَجْتُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: أَنْ يُنَوِّرُوا نَارًا أَيْ يُظْهِرُوا نُورَهَا، وَالنَّاقُوسُ خَشَبَةٌ تُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَصْغَرَ مِنْهَا فَيَخْرُجُ مِنْهَا صَوْتٌ وَهُوَ مِنْ شِعَارِ النَّصَارَى.
قَوْله: (وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِإِفْرَادِ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ احْتَجَّ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عُورِضَ بِعَمَلِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَعَهُمُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ.
٣ - بَاب الْإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ
٦٠٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: أُمِرَ