لِنَفْسِهِ خَاصَّةً النُّبُوَّةَ كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا ﷺ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي. قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا لَا آخُذُ عَنِ الْمَوْتَى، وَإِنَّمَا آخُذُ عَنِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ. وَكَذَا قَالَ آخَرُ: أَنَا آخُذُ عَنْ قَلْبِي عَنْ رَبِّي. وَكُلُّ ذَلِكَ كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرَائِعِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنِ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ الْخَضِرِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ مِنْ خَفَايَا الْأُمُورِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ وَيَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَقَدْ ضَلَّ، وَلَيْسَ مَا تَمَسَّكَ بِهِ صَحِيحًا، فَإِنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْخَضِرُ لَيْسَ فِي شَيْءٌ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ الشَّرْعَ، فَإِنَّ نَقْضَ لَوْحٍ مِنَ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ لِدَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ غَصْبِهَا ثُمَّ إِذَا تَرَكَهَا أُعِيدَ اللَّوْحُ - جَائِزٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ; وَلَكِنَّ مُبَادَرَةَ مُوسَى بِالْإِنْكَارِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ: فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا فَوَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً تَجَاوَزَهَا فَأَصْلَحَهَا. فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُ التَّأَنِّي عَنِ الْإِنْكَارِ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ. وَأَمَّا قَتْلُهُ الْغُلَامَ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ. وَأَمَّا إِقَامَةُ الْجِدَارِ فَمِنْ بَابِ مُقَابَلَةِ الْإِسَاءَةِ بِالْإِحْسَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (فَعَمَدَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ، وَكَذَا قَوْلُهُ عَمَدْتُ. وَنَوْلٌ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: أُجْرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَا) أَيْ فَخَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَانْطَلَقَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ) هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ، وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤٥ - بَاب مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا
١٢٣ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ - قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا - فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﷿.
[الحديث ١٢٣ - أطرافه في: ٧٤٥٨، ٣١٢٦، ٢٨١٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ سَأَلَ وَهُوَ قَائِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ عَنِ الْفَاعِلِ. وَقَوْلُهُ: عَالِمًا: مَفْعُولٌ، وَجَالِسًا: صِفَةٌ لَهُ، وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْعَالِمَ الْجَالِسَ إِذَا سَأَلَهُ شَخْصٌ قَائِمٌ لَا يُعَدُّ مِنْ بَابِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا. بَلْ هَذَا جَائِزٌ، بِشَرْطِ الْأَمْنِ مِنَ الْإِعْجَابِ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ) هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَمَنْصُورُ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقٌ، وَأَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ، وَكُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَائِلَ هُوَ أَبُو مُوسَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ دُونَهُ، فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِي أَثْنَاءِ الْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ قَاتَلَ. . . إِلَخْ) هُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ ﷺ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَ بِلَفْظٍ جَامِعٍ لِمَعْنَى السُّؤَالِ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِقِيَامِ طَالِبِ الْحَاجَةِ عِنْدَ أَمْنِ الْكِبْرِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِينَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ دِينِ اللَّهِ. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِقْبَالِ الْمَسْئُولِ عَلَى السَّائِلِ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤٦ - باب السُّؤَالِ وَالْفُتْيَا عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ
١٢٤ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ