وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنْ شَرِّ ذَلِكَ أَنْ تَظْهَرَ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ الرَّأْيَ فَيُتَوَسَّلُ بِالنَّظَرِ وَتَدْقِيقِهِ إِلَى تَأْوِيلِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ وَيَقَعُ اللَّجَاجُ فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاضَلَةُ عَلَيْهِ
(خَاتِمَةٌ): اشْتَمَلَ كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ حَدِيثًا، الْمُعَلَّقُ مِنْهَا وَمَا الْتَحَقَ بِهِ مِنَ الْمُتَابَعَاتِ تِسْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا وَالْبَاقِي مَوْصُولَةٌ، الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ حَدِيثًا، وَالْبَاقِي خَالِصٌ، وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَحَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فِي فَضْلِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ وَحَدِيثِهِ أَيْضًا: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَاتِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ الْمُفَصَّلَ، وَحَدِيثِهِ: لَمْ يَتْرُكْ إِلَّا مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، وَحَدِيثِ عُثْمَانَ: إِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَحَدِيثِ أَنَسٍ: كَانَتْ قِرَاءَتُهُ مَدًّا، وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سَبْعَةُ آثَارٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﷽
٦٧ - كِتَاب النِّكَاحِ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم - كِتَابُ النِّكَاحِ) كَذَا لِلنَّسَفِيِّ، وَعَنْ رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ تَأْخِيرُ الْبَسْمَلَةِ. والنِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالتَّدَاخُلُ، وَتَجَوَّزَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الضَّمُّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: النُّكْحُ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ اسْمُ الْفَرْجِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ أَوَّلِهِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَطْءِ، وَسُمِّيَ بِهِ الْعَقْدُ لِكَوْنِهِ سَبَبَهُ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا.
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ: إِذَا قَالُوا نَكَحَ فُلَانَةَ أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ فَالْمُرَادُ الْعَقْدُ، وَإِذَا قَالُوا نَكَحَ زَوْجَتَهُ فَالْمُرَادُ الْوَطْءُ. وَقَالَ آخَرُونَ أَصْلُهُ لُزُومُ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ، وَيَكُونُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَفِي الْمَعَانِي، قَالُوا نَكَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ وَنَكَحَ النُّعَاسُ عَيْنَهُ وَنَكَحْتُ الْقَمْحَ فِي الْأَرْضِ إِذَا حَرَثْتُهَا وَبَذَرْتُهُ فِيهَا وَنَكَحَتِ الْحَصَاةُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ. وَفِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْعَقْدِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْعَقْدِ وَلَا يَرِدُ مِثْلُ قَوْلِهِ ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَطْءِ فِي التَّحْلِيلِ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَإِلَّا فَالْعَقْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى تَنْكِحَ مَعْنَاهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ أَيْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ بِمُجَرَّدِهِ لَكِنْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا عِبْرَةَ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ، بَلْ لَا بُدَّ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ التَّطْلِيقِ ثُمَّ الْعِدَّةِ. نَعَمْ أَفَادَ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ فَارِسٍ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلتَّزْوِيجِ، إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحُلُمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ - كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ - إِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَقِيلَ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِهِ جَزَمَ الزَّجَّاجِيُّ، وَهَذَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَظَرِي وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ، وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْجِمَاعِ كُلَّهَا كِنَايَاتٌ لِاسْتِقْبَاحِ ذِكْرِهِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَسْتَعِيرَ مَنْ لَا يَقْصِدُ فُحْشًا اسْمَ مَا يَسْتَفْظِعُهُ لِمَا لَا يَسْتَفْظِعُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لِلْعَقْدِ، وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُدَّعِي أَنَّهَا كُلَّهَا كِنَايَاتٌ. وَقَدْ جَمَعَ اسْمَ النِّكَاحِ ابْنُ الْقَطَّاعِ فَزَادَتْ عَلَى الْأَلْفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute