عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْثَارِ، وَفِيهِ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ. وَالْخَيْشُومُ - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ - هُوَ الْأَنْفُ، وَقِيلَ: الْمَنْخِرُ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَسْتَنْثِرْ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ قَوْلِهِ: فَلْيَسْتَنْشِقْ لِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ يَقَعُ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِغَيْرِ عَكْسٍ، فَقَدْ يَسْتَنْشِقُ وَلَا يَسْتَنْثِرُ، وَالِاسْتِنْثَارُ مِنْ تَمَامِ فَائِدَةِ الِاسْتِنْشَاقِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إِلَى أَقْصَاهُ، وَالِاسْتِنْثَارُ إِخْرَاجُ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ تَنْظِيفُ دَاخِلِ الْأَنْفِ، وَالِاسْتِنْثَارُ يُخْرِجُ ذَلِكَ الْوَسَخَ مَعَ الْمَاءِ؛ فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِنْشَاقِ، وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِنْثَارَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ، وَقِيلَ: الْأَنْفُ نَفْسُهُ، فَعَلَى هَذَا فَمَنِ اسْتَنْشَقَ، فَقَدِ اسْتَنْثَرَ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْمَاءَ بِأَنْفِهِ أَوْ بِطَرَفِ أَنْفِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ.
ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا يَقَعُ لِكُلِّ نَائِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَنْ لَمْ يَحْتَرِسْ مِنَ الشَّيْطَانِ بِشَيْءٍ مِنَ الذِّكْرِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَ حَدِيثِ سَعْدٍ؛ فَإِنَّ فِيهِ: فَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْقُرْبِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِيهِ وَهُوَ الْقَلْبُ، فَيَكُونُ مَبِيتُهُ عَلَى الْأَنْفِ لِيَتَوَصَّلَ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ إِذَا اسْتَيْقَظَ، فَمَنِ اسْتَنْثَرَ مَنَعَهُ مِنَ التَّوَصُّلِ إِلَى مَا يَقْصِدُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ، فَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مُسْتَيْقِظٍ. ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِكُلِّ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْغُسْلِ وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا، وَهَلْ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ بِمُجَرَّدِهِ بِغَيْرِ اسْتِنْثَارٍ أَمْ لَا؟ خِلَافَ، وَهُوَ مَحَلُّ بَحْثٍ وَتَأَمُّلٍ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٢ - بَاب ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ. لِقَوْلِهِ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾، ﴿بَخْسًا﴾ نَقْصًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ سَيحْضَرُون لِلْحِسَابِ. ﴿جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ عِنْدَ الْحِسَابِ.
٣٢٩٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ﵁ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (بَابُ ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ الْجِنِّ وَإِلَى كَوْنِهِمْ مُكَلَّفِينَ، فَأَمَّا إِثْبَاتُ وُجُودِهِمْ فَقَدْ نَقَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَالزَّنَادِقَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَهُمْ رَأْسًا، قَالَ: وَلَا يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُشَرِّعِينَ، إِنَّمَا الْعَجَبُ مِنَ الْمُشَرِّعِينَ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ الْعَقْلِ مَا يَقْدَحُ فِي إِثْبَاتِهِمْ. قَالَ: وَأَكْثَرُ مَا اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ مَنْ نَفَاهُمْ حُضُورُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute