رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، أَيْ: الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ.
[الحديث ٤٥٧ - أطرافه في: ٢٧١٠، ٢٧٠٦، ٢٤٢٤، ٢٤١٨، ٤٧١]
قَوْلُهُ: (بَابُ التَّقَاضِي) أَيْ مُطَالَبَةِ الْغَرِيمِ قَضَاءَ الدَّيْنِ.
(وَالْمُلَازَمَةُ) أَيْ مُلَازَمَةُ الْغَرِيمِ، وَ (فِي الْمَسْجِدِ) يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: التَّقَاضِي ظَاهِرٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ دُونَ الْمُلَازَمَةِ، أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ لَزِمَهُ خَصْمُهُ فِي وَقْتِ التَّقَاضِي، وَكَأَنَّهُمَا كَانَا يَنْتَظِرَانِ النَّبِيَّ ﷺ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا. قَالَ: فَإِذَا جَازَتِ الْمُلَازَمَةُ فِي حَالِ الْخُصُومَةِ فَجَوَازُهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْلَى. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ عَادَةِ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِالْمُلَازَمَةِ إِلَى مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ فِي بَابِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ مَالٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا تَسْمِيَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَذِكْرُ نِسْبَتِهِ.
(فَائِدَةٌ): قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَأْتِ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى فَعْلَعٍ بِتَكْرِيرِ الْعَيْنِ غَيْرَ حَدْرَدٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ كَعْبٍ) هُوَ ابْنُ مَالِكٍ، أَبُوهُ.
قَوْلُهُ: (دَيْنًا) وَقْعَ فِي رِوَايَةِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ أُوقِيَّتَيْنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقَاضِي.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا) فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ، فَظَاهِرُ الرِّوَايَتَيْنِ التَّخَالُفُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرَّ بِهِمَا أَوَّلًا ثُمَّ إِنَّ كَعْبًا أَشْخَصَ خَصْمَهُ لِلْمُحَاكَمَةِ، فَسَمِعَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ أَيْضًا وَهُوَ فِي بَيْتِهِ.
قُلْتُ: وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ فِي الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ ﷺ أَشَارَ إِلَى كَعْبٍ بِالْوَضِيعَةِ وَأَمَرَ غَرِيمَهُ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ ﷺ بِذَلِكَ تَقَدَّمَ لَهُمَا لَمَا احْتَاجَ إِلَى الْإِعَادَةِ. وَالْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ لِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُرُورُ عَلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ لَا حِسِّيٍّ.
قَوْلُهُ: (سِجْفٌ) بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَحَكَى فَتْحَ أَوَّلِهِ وَهُوَ السِّتْرُ، وَقِيلَ أَحَدُ طَرَفَيِ السِّتْرِ الْمُفَرَّجِ.
قَوْلُهُ: (أَيِ الشَّطْرَ) بِالنَّصْبِ أَيْ: ضَعِ الشَّطْرَ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: هَذَا، وَالْمُرَادُ بِالشَّطْرِ النِّصْفُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ.
قَوْلُهُ: (لَقَدْ فَعَلْتُ) مُبَالَغَةٌ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ.
وَقَوْلُهُ: (قُمْ) خِطَابٌ لِابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَضِيعَةُ وَالتَّأْجِيلُ.
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ، وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بَابًا يَأْتِي قَرِيبًا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَعَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ وَالْخَيْرِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ رَفْعِهِ بِاللَّغَطِ وَنَحْوِهِ فَلَا. قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَوْ كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ لَمَا تَرَكَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ وَلَبَيَّنَ لَهُمَا ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَلِمَنْ مَنَعَ أَنْ يَقُولَ: لَعَلَّهُ تَقَدَّمَ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ فَاكْتَفَى بِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّوَصُّلِ بِالطَّرِيقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى تَرْكِ ذَلِكَ بِالصُّلْحِ الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْمُخَاصَمَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ الصَّوْتِ. وَفِيهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْإِشَارَةِ إِذَا فُهِمَتْ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَإِشَارَةُ الْحَاكِمِ بِالصُّلْحِ وَقَبُولُ الشَّفَاعَةِ، وَجَوَازُ إِرْخَاءِ السِّتْرِ عَلَى الْبَابِ.
٧٢ - بَاب كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ
٤٥٨ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ - أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ - كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ