يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَحَدِيثَ عُمَرَ نَفْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَا قَرِيبًا وَبَيَانُ مَكَانِ شَرْحِهِمَا.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ: ابْتَاعَهُ أَوْ أَضَاعَهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: ابْتَاعَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِهِ وَإِنَّمَا عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ بَاعَهُ، فَهُوَ بِمَعْنَى عَرَضَهُ لِلْبَيْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٣٨ - بَاب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ
٣٠٠٤ - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ، وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ﵄ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ.
[الحديث ٣٠٠٤ - طرفه في: ٥٩٧٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْجِهَادِ بِإِذْنِ الْأَبَوَيْنِ) كَذَا أَطْلَقَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِالْإِسْلَامِ الْجُمْهُورُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُمَا مَنَعَاهُ، لَكِنْ لَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ، وَكَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ) تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صَوْمِ دَاوُدَ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَقَدْ خَالَفَ الْأَعْمَشُ، شُعْبَةَ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَلَعَلَّ لِحَبِيبٍ فِيهِ إِسْنَادَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ بَكْرَ بْنَ بَكَّارٍ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهْ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (جَاءَ رَجُلٌ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ: أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُ لِأَسْتَشِيرَكَ. فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: الْزَمْهَا، الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَذَكَرَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرَا بَيَّنْتُهُ فِي تَرْجَمَةِ جَاهِمَةَ مِنْ كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِمَا فَجَاهِدْ) أَيْ: خَصِّصْهُمَا بِجِهَادِ النَّفْسِ فِي رِضَاهُمَا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّعْبِيرِ عَنِ الشَّيْءِ بِضِدِّهِ إِذَا فُهِمَ الْمَعْنَى، لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَجَاهِدْ، ظَاهِرُهَا إِيصَالُ الضَّرَرِ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمَا لَهُمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِيصَالُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ، وَهُوَ تَعَبُ الْبَدَنِ وَالْمَالِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُتْعِبُ النَّفْسَ يُسَمَّى جِهَادًا، وَفِيهِ أَنَّ بِرَّ الْوَالِدِ قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ، وَأَنَّ الْمُسْتَشَارَ يُشِيرُ بِالنَّصِيحَةِ الْمَحْضَةِ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُسْتَفْضَلُ عَنِ الْأَفْضَلِ فِي أَعْمَالِ الطَّاعَةِ لِيُعْمَلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَمِعَ فَضْلَ الْجِهَادِ فَبَادَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَقْنَعْ حَتَّى اسْتَأْذَنَ فِيهِ فَدُلَّ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، وَلَوْلَا السُّؤَالُ مَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ. وَلِمُسْلِمٍ، وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ نَاعِمٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا. وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا. وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَحْرُمُ الْجِهَادُ إِذَا مَنَعَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute