للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحْسَنُ مِنَ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَبْطَلَهُ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ؛ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ: رَجُلٌ نَفْسٌ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَمْسِمِائَةِ الْمُقَاتِلَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً، وَبِمَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ هُمْ وَمَنْ لَيْسَ بِمُقَاتِلٍ، وَبِالْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ هُمْ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْبَوَادِي. قُلْتُ: وَيَخْدِشُ فِي وُجُوهِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كُلِّهَا اتِّحَادُ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ وَمَدَارُهُ عَلَى الْأَعْمَشِ بِسَنَدِهِ، وَاخْتِلَافُ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ كِتَابَةِ دَوَاوِينِ الْجُيُوشِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى تَمْيِيزِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْمُقَاتَلَةِ بِمَنْ لَا يَصْلُحُ، وَفِيهِ وُقُوعُ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْإِعْجَابِ بِالْكَثْرَةِ، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنَ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَتَخَيَّلَ أَنَّ كِتَابَةَ الْجَيْشِ وَإِحْصَاءَ عَدَدِهِ يَكُونُ ذَرِيعَةً؛ لِارْتِفَاعِ الْبَرَكَةِ، بَلِ الْكِتَابَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ، وَالْمُؤَاخَذَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي حُنَيْنٍ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْإِعْجَابِ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَهُوَ يُرَجِّحُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى بِلَفْظٍ: اكْتُبُوا؛ لِأَنَّهَا مُشْعِرَةٌ، بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ كِتَابَةُ مَنْ يَتَعَيَّنُ لِلْخُرُوجِ فِي الْمَغَازِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي الْحَجِّ مُسْتَوْفًى.

١٨٢ - بَاب إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ

٣٠٦٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ ح

وَحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي قُلْتَ لَهُ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ : إِلَى النَّارِ. قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ بِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ.

[الحديث ٣٠٦٢ - أطرافه في: ٤٢٠٣، ٤٢٠٤، ٦٦٠٦]

قَوْلُهُ: (بَابُ إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي قَاتَلَ، وَقَالَ النَّبِيُّ : إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْمَغَازِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ، وَسَاقَهُ هُنَا عَلَى لَفْظِ مَعْمَرٍ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَطْفِهِ لِطَرِيقِهِ عَلَى طَرِيقِ شُعَيْبٍ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ: لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَهُ : لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا خَاصٌّ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْفَاجِرَ غَيْرَ الْمُشْرِكِ. قُلْتُ: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِالْأَوَّلِ، وَحُجَّةُ النَّسْخِ شُهُودُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَغَازِي، وَأَجَابَ غَيْرُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ غَيْرِ هَذِهِ: مِنْهَا أَنَّهُ