للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رُمِيَ بِحَجَرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَرَأْسُهُ عَلَى آخَرَ.

وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: أَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ حَيَّةً، وَالْقَوَدُ لَا يَكُونُ فِي حَيٍّ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَفُلَانٌ قَتَلَكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَجُودُ بِنَفْسِهَا، فَلَمَّا مَاتَتِ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَادَّعَى ابْنُ الْمُرَابِطِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْقَتِيلِ، وَأَمَّا مَا جَاءَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ فَهُوَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مِمَّا عُدَّ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذِهِ الدَّعْوَى فَقَتَادَةُ حَافِظٌ زِيَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهَا فَلَمْ يَتَعَارَضَا، وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥ - بَاب إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا

٦٨٧٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ قَالَ: فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ : فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا. فَأَعَادَ عَلَيْهَا قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا. فَقَالَ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ: فُلَانٌ قَتَلَكِ؟ فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا) كَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَبُتَّ الْحُكْمُ إِشَارَةً إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ إِيرَادَهُ الْحَدِيثَ يُشِيرُ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الْيَهُودِيِّ وَالْجَارِيَةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ وَخَالَفَ الْكُوفِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَذَكَرَ الْبَزَّارُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَعَ ضَعْفِ إِسْنَادِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: طُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْكِتَابَ وَلَا تُخَصِّصُهُ، وَبِالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ الْأَكْثَرُ إِذَا قَتَلَهُ بِشَيْءٍ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إِنْ قَتَلَ بِالْحَجَرِ أَوِ الْعَصَا نُظِرَ إِنْ كَرَّرَ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ: شَرْطُ الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ بِسِلَاحٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ: شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بِحَدِيدَةٍ.

وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ قَتَلَ بِعَصًا فَأُقِيدَ بِالضَّرْبِ بِالْعَصَا فَلَمْ يَمُتْ هَلْ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ؟ فَقِيلَ: لَمْ يُكَرَّرْ، وَقِيلَ إِنْ لَمْ يَمُتْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَكَذَا فِيمَنْ قَتَلَ بِالتَّجْوِيعِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُسْتَثْنَى مِنَ الْمُمَاثَلَةِ مَا كَانَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ وَالتَّحْرِيقِ، وَفِي الثَّالِثَةِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَوَّلَانِ بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُقْتَلُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ، انْتَهَى.

وَمِنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي رَمَتْ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ فَقَتَلَتْهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ جَعَلَ فِيهَا الدِّيَةَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ بَعْدَ بَابِ الْقَسَامَةِ. وَمُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ السَّنَدِ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ بِأَنَّهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ: هُوَ ابْنُ سَلَامٍ.