بِثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً: تِسْعًا قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.
قَوْلُهُ: (وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ) أَيْ: بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى مِنَ الصُّبْحِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا) اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ: كَانَ الْحَسَنُ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاجِبَتَيْنِ. وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ هُنَا: صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَنَقَلَ الْمَرْغِينَانِيُّ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَفِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ صَلَّاهُمَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لِلْقَدِيمِ فِي أَنَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ التَّطَوُّعَاتِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: أَفْضَلُهَا الْوِتْرُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَفْضَلُهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ، لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ التَّهَجُّدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ أَبَدًا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْمَاضِي فَيُؤَكَّدُ بِقَطُّ، وَيُجَابُ عَنِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ إِجْرَاءً لِلْمَاضِي مَجْرَى الْمُسْتَقْبَلِ، كَأَنَّ ذَلِكَ دَأْبُهُ لَا يَتْرُكُهُ.
٢٣ - بَاب الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
١١٦٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الضِّجْعَةِ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ، وَبِفَتْحِهَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَرَّةِ.
قَوْلُهُ: (أَبُو الْأَسْوَدِ) هُوَ النَّوْفَلِيُّ يَتِيمُ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقَلْبَ فِي وَجْهِهِ الْيَسَارُ، فَلَوِ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ لَاسْتَغْرَقَ نَوْمًا، لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي الرَّاحَةِ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ، فَيَكُونُ الْقَلْبُ مُعَلَّقًا فَلَا يَسْتَغْرِقُ، وَفِيهِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ، وَأَمَّا إِنْكَارُ ابْنِ مَسْعُودٍ الِاضْطِجَاعَ، وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: هِيَ ضِجْعَةُ الشَّيْطَانِ، كَمَا أَخْرَجَهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْأَمْرُ بِفِعْلِهِ، وَكَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْكَرَ تَحَتُّمَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إِذَا سَلَّمَ فَقَدْ فَصَلَ. وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، فَإِنَّهُ شَذَّ بِذَلِكَ، حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِحَصْبِ مَنِ اضْطَجَعَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ، وَأَرْجَحُ الْأَقْوَالِ مَشْرُوعِيَّتُهُ لِلْفَصْلِ، لَكِنْ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢٤ - بَاب مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ
١١٦١ - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى سنة الفجر، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَضْطَجِعَ) أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ الْوَارِدَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ الرَّاحَةُ وَالنَّشَاطُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ إِلَّا لِلمتَّهَجُّدِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَضْطَجِعَ لِسُنَّةٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ