لَا تُقْسَمُ وَلَا تُقْطَعُ. وَأَمَّا مَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ فَحَدِيثُ جَابِرٍ دَالٌّ عَلَيْهِ وَقَدْ مَضَى فِي الْخُمُسِ مَشْرُوحًا.
وَأَمَّا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وَالْجِزْيَةِ فَعَطْفُ الْجِزْيَةِ عَلَى الْفَيْءِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْفَيْءُ كُلُّ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِمَّا لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمُعَلَّقُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ يُفَضِّلُ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الْمُعَلَّقِ بِعَيْنِهِ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَنْ وَصَلَهُ وَبَعْضَ فَوَائِدِهِ، وَأَعَادَهُ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ بِأَخْصَرَ مِنْ هَذَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْخُمُسِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ كَانَ مِنَ الْجِزْيَةِ وَأَنَّ مَصْرِفَ الْجِزْيَةِ مَصْرِفُ الْفَيْءِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَخْتَارُ أَنَّهُ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الطَّوِيلِ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ يَخْتَصِمَانِ قَالَ قَرَأَ عُمَرُ ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ الْآيَةَ، فَقَالُوا: اسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ فِيهِ فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِيهَا حَقٌّ، إِلَّا بَعْضُ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حُكْمُ الْفَيْءِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَاحِدٌ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الْعُشْرِ إِذَا اتَّجَرُوا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ يُعَمُّ بِهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَتُصْرَفُ مِنْهُ أَعْطِيَةُ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقُ الذُّرِّيَّةِ وَمَا يَنُوبُ الْإِمَامُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ: فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى التَّسْوِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ وَاخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ إِلَى التَّفْضِيلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إِنْ شَاءَ فَضَّلَ وَإِنْ شَاءَ سَوَّى، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ، كَذَا قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ يَشْتَرِطُ التَّعْمِيمَ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا جَاءَهُ فِي قِسْمَةٍ مِنْ يَوْمِهِ، فَأَعْطَى الْآهِلَ حَظَّيْنِ وَأَعْطَى الْأَعْزَبَ حَظًّا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: انْفَرَدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ إِنَّ فِي الْفَيْءِ الْخُمُسَ كَخُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا يُحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ، لِأَنَّ الْآيَاتِ التَّالِيَاتِ لِآيَةِ الْفَيْءِ مَعْطُوفَاتٍ عَلَى آيَةِ الْفَيْءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ إِلَى آخِرِهَا فَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾، وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَ الْآيَةَ الْأُولَى عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ، لِمَنْ ذُكِرَ فِيهَا فَقَطْ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَعْطِيَةَ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقَ الذُّرِّيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ تَأَوَّلَ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْخُمُسُ فَجَعَلَ خُمُسَ الْفَيْءِ وَاجِبًا لَهُمْ، وَخَالَفَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْفَيْءِ لَا يَخْتَصُّ بِفَقِيرِهِمْ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ فِي قَوْلِ عُمَرَ: مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا وَلَهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، قَالَ يَقُولُ: الْفَيْءُ لِلْغَنِيِّ وَلِلْفَقِيرِ، وَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
٥ - بَاب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ
٣١٦٦ - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، وحَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute