قَدْ قِيلَ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا. ثُمَّ قَرَأَ وَذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا. قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: مُسْتَقَرُّهَا أَنْ تَطْلُعَ فَيَرُدُّهَا ذُنُوبُ بَنِي آدَمَ، فَإِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، فَتَقُولُ: إِنَّ السَّيْرَ بَعُدَ، وَإِنِّي إِنْ لَا يُؤْذَنُ لِي لَا أَبْلُغُ، فَتُحْبَسُ مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُقَالُ: اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْتِ، قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقِيلَ هُوَ حِينَ مُحَاذَاتِهَا. وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلُهُ: وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا نِهَايَةُ مُدْرَكِ الْبَصَرِ إِلَيْهَا حَالَ الْغُرُوبِ، وَسُجُودُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُسْتَقَرِّهَا غَايَةُ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي الِارْتِفَاعِ، وَذَلِكَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، وَقِيلَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِاسْتِقْرَارِهَا تَحْتَ الْعَرْشِ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ تَحْتَهُ اسْتِقْرَارًا لَا نُحِيطُ بِهِ نَحْنُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَوْ عِلْمُ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فِي كِتَابٍ كُتِبَ فِيهِ ابْتِدَاءُ أُمُورِ الْعَالَمِ وَنِهَايَتُهَا فَيُقْطَعُ دَوْرَانُ الشَّمْسِ وَتَسْتَقِرُّ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ فِعْلُهَا، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ مَا يُعِيقُ عَنْ دَوَرَانِهَا فِي سَيْرِهَا. قُلْتُ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ وُقُوعُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ سُجُودِهَا وَمُقَابِلُ الِاسْتِقْرَارِ الْمَسِيرُ الدَّائِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجَرْيِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣٧ - سُورَةُ الصَّافَّاتِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِ جَانِبٍ. دحورا يُرْمَوْنَ. وَاصِبٌ: دَائِمٌ. لَازِبٍ: لَازِمٍ. تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ يَعْنِي الْحَقَّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّياطينِ. غَوْلٌ وَجَعُ بَطْنٍ. يُنْزَفُونَ: لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. قَرِينٌ: شَيْطَانٌ. يُهْرَعُونَ: كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ. يَزِفُّونَ التَّسَلَانُ فِي الْمَشْيِ. وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سَيحْضُرُونَ لِلْحِسَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَنَحْنُ الصَّافُّونَ: الْمَلَائِكَةُ. صِرَاطِ الْجَحِيمِ: وَوَسَطَ الْجَحِيمِ. لَشَوْبًا: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. مَدْحُورًا: مَطْرُودًا. بَيْضٌ مَكْنُونٌ: اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. وَيُقَالُ: يَسْتَسْخِرُونَ: يَسْخَرُونَ. بَعْلًا: رَبًّا. الْأَسْبَابُ: السماء.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ الصَّافَّاتِ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا﴾ يُرْمَوْنَ. ﴿وَاصِبٌ﴾ دَائِمٌ. ﴿لازِبٍ﴾ لَازِمٌ) سَقَطَ هَذَا كُلُّهُ لِأَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ. وَرَوَى الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ﴾ يَقُولُونَ هُوَ سَاحِرٌ هُوَ كَاهِنٌ هُوَ شَاعِرٌ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ قَالَ: لَازِمٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أَيْ دَائِمٌ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ هِيَ بِمَعْنَى اللَّازِمِ، قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا يَحْسِبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبٍ أَيْ: لَازِمٍ.
قَوْلُهُ: ﴿تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾، يَعْنِي الْحَقَّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيَاطِينِ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَعْنِي الْجِنَّ بِجِيمٍ ثُمَّ نُونٍ، وَنَسَبَهُ عِيَاضٌ لِلْأَكْثَرِ. وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute